رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

213

إبراهيم عبد المجيد

فتنة الغرب والشرق

18 سبتمبر 2025 , 01:58ص

في حياتنا لا تزال أفكار وشعارات تشيطن الغرب وتضعه كعدو أبدي لنا. عالمنا العربي يتوسط العالم جغرافيا. شمال أفريقيا من الدول العربية يطل على البحر المتوسط الذي تطل عليه أوروبا، وتستطيع أن تضيف إليه ساحل فلسطين ولبنان وسوريا. بقية العالم العربي في الطريق إلى الهند وآسيا. في مصر كان العصر الحديث بداية للتفاعل مع أوروبا وبصفة خاصة بعد احتلال نابليون بونابرت لمصر عم 1798. جاءت الحملة الفرنسية معها بعدد كبير من العلماء، تركوا خلفهم المجمع العلمي، وكتاب وصف مصر وغيره. بدأت مصر نهضتها الكبيرة في العلم والتعليم والبناء مع محمد علي بعد خروج الحملة الفرنسية. حين سافر رفاعة الطهطاوي مع بعثة من الطلاب للدراسة في فرنسا، كان هو إمام البعثة الذي سيصلي بهم ويحميهم من الاندفاع إلى العلاقات المحرمة التي لا تتناسب مع الإسلام. عاد مفكرًا ليقود النهضة في التعليم وغيره. بعدها وأثناء نفس الزمن امتد النفوذ الأوروبي إلى عالمنا العربي في شكل ما أطلقوا عليه "الاستعمار" وهي كلمة خادعة، فالشعوب والحكومات عرفت طريق التقدم والعمران من قبل، وكانت كلمة الاستعمار لتخفي النهب المنظم لمقدرات الشعوب الاقتصادية. صار الاستقلال هو الهدف السياسي والشكل الوحيد للرفض، لكن غير ذلك كان محل جدل بين المفكرين. بعضهم أراد الابتعاد عن أي تأثر فكري، وبعضهم اعتبر التأثر الفكري ضرورة بما يساهم في النهضة وتطوير الشعوب. رغم وضوح القضية، ظل هناك من يعتبر الغرب هو الشيطان الأكبر. ويرفع شعارات مثل القيم الدينية دون إدراك أنه حين فصل الغرب الدين عن الدولة، لم تنته الديانة المسيحية بكل مذاهبها. بل وصلت إلى وجود أحزاب سياسية لها، لكن في إطار الديمقراطية فلا تعود بالناس إلى العصور الوسطي وصراعات الكنيسة مع العلماء والفلاسفة. الغرب نفسه في نهضته استفاد من الإنجاز العربي والإسلامي في الفكر والثقافة، وكتابات لمفكرين مثل ابن رشد أو ابن خلدون. بل في الأدب حين تمت ترجمة ألف ليلة وليلة إلى الإنجليزية غيرت من شكل الرواية والإبداع في الغرب. حدث أن زرت كثيرا من الدول العربية في الخليج ورأيت المباني العصرية والحدائق مما أتى إلينا من الغرب. حين سافرت إلى المغرب العربي احتوتني الأشجار في الشوارع التي مضى عليها مئات السنين لا يقطعها أحد بحجة أنها ميراث فرانكوفوني. كما صارت اللغات الأوروبية في المدارس والبعثات لا تنقطع من دول الخليج إلى أوروبا وأمريكا للتعليم، ولعلها أكثر من أي بعثات أخرى من العالم العربي. رغم ذلك ما زلت أسمع أو أقرأ أن تاريخنا وقيمنا تمنعنا عن قيم الغرب. الخلاف السياسي الذي لا يزال قائما بين الحكومات وليس الشعوب، يظل ذريعة لرفض مظاهر التقدم في العلم والحياة. كيف؟ أين العقل من هذا. العقل لا يرفض الحرية والإخاء والمساواة ومظاهرها السياسية من ديمقراطية أو تعليم للجميع دون تفرقة، مما كان ولا يزال في الغرب، لكن يمنع ما لا يتماهى مع العقل، مثل التطرف والإرهاب الذي ساهمت وما زالت، حكومة أمريكا في صنعه أو بريطانيا أو حتى إسرائيل. العقل يغرينا أن ننظر إلى المظاهرات التي تملأ الغرب من أجل فلسطين وغزة، وكيف يأتي أسطول الصمود العالمي يحمل فنانين وكتّابا من الغرب عبر البحار من أجل غزة. العقل يجب أن يكون دليلنا لنفرق بين إنجازات الشعوب وإنجازات الحكومات في الغرب. متى نستخدم العقل في هذه المسألة ولا تغرينا الشعارات المستهلكة مثل شيطنة الغرب، أو أن قيمه تتعارض مع أدياننا، ومن ثم نرفض كل تجليات الحضارة.

مساحة إعلانية