رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ.د. نظام عبدالكريم الشافعي

أستاذ الجغرافيا غير المتفرغ
جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

852

أ.د. نظام عبدالكريم الشافعي

الدول الصغيرة وهم تداعيات إغلاق مضيق هرمز

17 أبريل 2025 , 02:00ص

أثناء الحروب في أي بقعة من العالم، تضطرب الأحوال برمتها في إقليمها الجغرافي مهما امتلكت دوله من مقومات إيجابية. وفي اقليمنا الخليجي يعتبر هم قفل مضيق هرمز أو وقف الحركة عبره والذي يعود من جديد هذه الأيام، وكما في أي توتر سياسي يرتبط بحوض الخليج العربي، هاجسا مرعبا، لأن هذا المضيق الطبيعي يعد البوابة الحيوية لدوله الثماني جميعها منذ الماضي، ولكنه الأوضح اليوم بسبب الدور الاقتصادي العالمي الكبير الذي يلعبه. وهذا الهم يكبر بصورة خاصة لدى الدول التي لا تمتلك منافذ بحرية غيره كبقية الدول. فعلى سبيل المثال، فإن المملكة العربية السعودية تمتلك منافذ على البحر الأحمر وخليج العقبة، ودولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك منفذا ثانيا على خليج عمان في إمارة الفجيرة وإمارة الشارقة، وإيران تمتلك منافذ بحرية على خليج عمان وبحر العرب خارج الخليج، وأنابيب النفط والغاز العابرة لحدودها. أما العراق والذي يمتلك أقل إطلالة على حوض الخليج بعد سلطنة عمان وهو المسطح الوحيد المباشر، فقد قام بإنشاء خطوط أنابيب منذ القدم لتصدير نفطه وخاصة من حقول الشمال عبر تركيا عند ميناء جيهان، وكذلك يتم نقل البضائع فيها عبر الشاحنات نحو جيرانها في شمالها حتى المنافذ البحرية على المتوسط.

وتاريخيا، كما بينت في مقالتي السابقة، فإن التهديدات منذ أكثر من أربعة عقود لم تلق أذنا صاغية مباشرة، ولم يتم اغلاق المضيق بتاتا بصورة دائمة حتى لعدة أيام على الرغم من التوترات التي توالت على الإقليم، وكان لهذه التوترات بكل تأكيد تأثير على أسعار النفط وتكلفة نقله وتكلفة النقل التجاري إضافة الى تكلفة التأمين. وغالبا ما كانت تلك التكاليف المؤقتة لا تنخفض رغم الهدوء الذي يسود في أعقاب تلك المناوشات الكلامية بالدرجة الأولى تعمق الحالة، مما يعني ارتفاعا في تكلفة المعيشة في دوله وخاصة المعتمدة بشكل رئيس على المنفذ الضيق المهم الوحيد لجميع دوله بدرجات مختلفة.

ومنذ أمد، اتخذت خمس من دول الخليج تدابير لتفادي الأضرار المتوقعة في حال اصبح التهديد قائما فعلا، ووضعت الخطط من الثمانينيات للتقليل من أثر التهديدات الإقليمية او الدولية التي تتكرر بين الحين والآخر وخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط في بداياتها ومرورا بالثورة الإسلامية في ايران والحروب فيما بعد، وانتهاء كما في الآونة الحالية ومنذ الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودعوته ايران لعقد اتفاقية جديدة أكثر صرامة من اتفاقية النووي بينها وبين الخمس الكبار في عام 2015، والتي تتكرر اليوم في ولايته الجديد التي بدأت من عدة شهور ومن المتوقع ان تستمر لثلاث سنوات قادمة.

والمساعي الدبلوماسية لسلطنة عمان الشقيقة والتي يكن لها الجميع إقليميا ودوليا كل تقدير، ويأمل الجميع أن تكلل بالنجاح. ومعظم المحللين والمتابعين خرجوا بانطباع بأن الجولة الأولى من المباحثات غير المباشرة آتت أكلها في أساسها، وهو الالتقاء لأول مرة في حد ذاته، بكسر كرة الجليد التي بدأت تكبر وخاصة منذ السابع من أكتوبر، وتهديدات الرئيس منذ حملاته الانتخابية، حيث يأمل الامريكيون المتفائلون ان تتطور لتصبح مباشرة قريبا.

وعودة الى شأن الدول الثلاث بإطلالتها الوحيدة على المسطح، بأنها ستكون نظريا الأكثر تضررا من غيرها، فإن لم تقم بتدابير لتفادي الاضرار المباشرة وخاصة في تصدير نفطها ومنتجاتها ، فبكل تأكيد تتضرر عندما لا تتمكن بواخرها وناقلاتها من عبور مضيق هرمز أثناء أي حدث سياسي او عسكري معيق للحركة.

وإني لأظن على الرغم من ذلك بأنها قادرة على الصمود أسابيع واشهرا في عدم تمكنها والتي قد يؤثر في إيراداتها المالية لفترة وجيزة، وتتفادى النتائج المترتبة على ترتيب الحركة لمنتجاتها عبر جيرانها. كما الحالة العراقية. وكثير من المتابعين والمحللين يلومون هذه الدول، بأنها لم تقم بالتدابير المناسبة في هذه الحالة كما الدول الخمس الأخرى في الإقليم وتناسوا البون الجغرافي الشاسع بين المجموعتين. ولكن بحسابات السياسة والاقتصاد طويلة المدى وحفظ الامن الداخلي صبر هذه الدول على الصمود كفيل بأن تأثيرات الاغلاق -إن حدث لا سمح الله- ستكون متشابهة لحد كبير بتأثيرات الدول الأخرى، ولكن من حسن حظ هذه الدول الثلاث من جانب آخر بأنها محدودة الحجم السكاني وخاصة من مواطنيها.

ونشهد اليوم تهديدات بحدوث ذلك إن قامت حرب في المنطقة، وكحال الحروب في أي جزء من العالم وحتى الحروب الإقليمية والمؤثرة حتما على الأمن والسلام وتتكبد الحركة التجارية المسالمة خسائر فادحة على جميع الأطراف ومن بينها الدول المستقبلة، وما التوتر في البحر الأحمر القريب منا في الآونة الاخيرة إلا أوضح الأمثلة. وتتحدى الدول نفسها بمدى امكانيتها الصبر والصمود لأسابيع واشهرا، وسيكون الوضع مهما وصف بالسحابة ليس طبيعيا في حياة شعوبها مهما كانت تمتلك الدول من المقومات الجغرافية والاقتصادية وحتى العسكرية، ويكمن الانسجام الداخلي في قوة الصمود عامل قوة في جعله يمر بسلام.

وأخيرا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنب منطقتنا ويلات الحروب وإن كانت سهلة في بدئها ونشوبها، ولكن إطفاءها ليس بيد من أشعلها.

 

مساحة إعلانية