رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قمة شرم الشيخ تطوي صفحة حرب الإبادة في غزة..
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»
إذا كانت مدينة شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية الشقيقة قد شهدت قمة سلام غزة، فإن التاريخ سيظل محفوراً في ذاكرته أن من عمل طوال عامين يواصل الليل بالنهار، دون كلل أو ملل، بحكمة وإرادة وإخلاص لإنهاء حرب غزة ورفع المعاناة عن أهلنا في القطاع والوصول إلى هذه اللحظة التاريخية، هو حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.
لسنا من يقول هذا، بل العالم اليوم - قادته وشعوبه - يتحدثون بكل صراحة عن الأدوار العظيمة التي قام بها سمو الأمير المفدى، والمواقف الكبيرة التي تبناها، والمساعي الحميدة التي تولاها من أجل وقف حرب الإبادة التي تعرض لها أهلنا في قطاع غزة، والتي أثمرت الوصول إلى لحظة الإعلان عن وقف الحرب ورفع المعاناة عن أهل غزة. إن العالم الذي انتظر لحظة وقف العدوان على غزة بالأمس، هو نفسه الذي ثمّن عاليا الدور العظيم الذي قام به سمو الأمير المفدى على هذا الصعيد، مما جعله أميراً للسلام بجدارة.
لقد بذلت قطر بقيادة سمو الأمير المفدى، على مدى 730 يوماً، جهوداً جبارة من أجل وقف الحرب على أهلنا في قطاع غزة، واستطاع بحكمته وإرادته الصلبة وتصميمه الثابت، الوصول إلى السلام المنشود بالرغم من تعرض الجهود القطرية لكثير من التحديات والعراقيل والعقبات، إلا أن قطر تجاوزتها بحكمة وحنكة وذكاء شديد، وأدارت ملف التفاوض، مع شركائها في الوساطة مصر الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بسياسة رصينة وهادئة، وتعاملت مع كل المراحل بعقلانية.
لقد ضربت قطر نموذجاً في العطاء والوفاء، فلم تدع وسيلة سياسية أو دبلوماسية أو منبراً عالمياً وعربياً، إلا واستخدمته للوصول إلى وقف حرب الإبادة ووقف الدمار الهائل ووقف التشريد والتجويع والقتل بلا رحمة.
إن ما قام به سمو الأمير المفدى يسجل على صفحة مشرقة من التاريخ العربي، فمنذ اندلاع الحرب على غزة، قاد سمو الأمير المفدى جهوداً جبارة ودؤوبة، فقد سجلت الإحصاءات أن سموه قام بـ 250 خطوة بشكل شخصي، وأجرى أكثر من 104 اتصالات هاتفية مع قادة العالم والأمتين العربية والإسلامية، وعقد سموه أكثر من 126 اجتماعاً مع الملوك والرؤساء والزعماء المعنيين بملف القضية الفلسطينية، كما شارك سموه بحوالي 20 قمة ومؤتمراً عالمياً وعربياً، تخللها الخطابات الصادقة التي هزت ضمير العالم ونادت بالوقف الفوري لحرب الإبادة في غزة.
كان سمو الأمير منذ اليوم الأول للحرب ساعياً بإخلاص لوقف القتل والدمار، كان يواصل العمل ليل نهار دون كلل أو ملل، إلى أن تمكنّت الجهود من التوصل لاتفاق وقف الحرب على أهلنا في قطاع غزة والذي تحول إلى اتفاق سلام شهد العالم ولادته في قمة شرم الشيخ.
إن ما قامت به الدبلوماسية القطرية، بتوجيهات سمو الأمير، يعتبر نموذجاً يُدرس في الجامعات لعملية إدارة الوساطات بحكمة وصبر وقدرة على تجاوز التحديات والعراقيل، فقد واجهت الدبلوماسية القطرية خلال عامي الحرب، الكثير من التحديات لضرب جهودها من أجل إنهاء الحرب في غزة، وتراوحت تلك التحديات بين الضغوط والتهديدات والاتهامات المفبركة، ثم تطور الأمر وانتقل إلى مرحلة العدوان، وذلك من خلال الهجوم الإسرائيلي الغادر الذي استهدف أراضي دولة قطر في وضح النهار. لكن كل تلك التحديات لم تثن دولة قطر عن مواصلة بذل الجهود المخلصة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة وتركيا لوقف الحرب، حيث نجحت دولة قطر في تجاوز كل العراقيل والتحديات الخطيرة التي واجهت مساعي الوساطة.
وفي موازاة الجهود الدبلوماسية حضرت قطر في المجال الإنساني والمساعدات الإغاثية، حيث حرصت قطر على الاستمرار بإرسال القوافل والمساعدات الطبية والغذائية إلى قطاع غزة، إضافة إلى دعمها مشاريع إعادة الإعمار وتمويلها برامج الإغاثة بالتعاون مع الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني.
وقد شكلت هذه الجهود نموذجًا استثنائيًا للدعم الإنساني الشامل، الذي يجمع بين الإغاثة العاجلة، والدعم التنموي، والتحرك السياسي والدبلوماسي. ولذلك استحقت هذه الجهود تقديراً واسعاً من الأطراف الدولية والإقليمية.
ولم تسع دولة قطر، من خلال وقوفها إلى جانب فلسطين، للحصول على أي مقابل، فهو واجب قومي وأخلاقي وإنساني، وقبل هذا وذاك، واجب ديني وإسلامي.
لقد وقفت قطر، وستظل، مع فلسطين - القضية العادلة - في القدس والمقدسيين والأقصى والضفة وغزة، ولا تنتظر من أحد جزاء أو شكوراً.
وقدمت كل ما تستطيع، وتحمّلت الأذى، وواجهت التحديات والعقبات، وشُنّت عليها حملات التضليل والتحريض، ووصل الأمر إلى أن تستهدف بهجوم إسرائيلي غادر.. لكنها لم تتراجع عن وقوفها مع فلسطين.. القضية والشعب.. ولم تساوم على مواقفها، وظلت - وما زالت - تدافع عن القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها في كل محفل.
لقد شكلت القضية الفلسطينية أولوية لدى سمو الأمير في حله وترحاله، ينتصر لأهلها، ويدافع عن قضاياهم في المحافل الإقليمية والدولية ولقاءاته الثنائية، ويده ممدودة بالخير والعطاء لفلسطين والقدس والضفة وغزة.
وفي جهود وقف العدوان على غزة طوال عامين، كان سمو الأمير منذ اليوم الأول، ساعياً وباذلاً بتجرّد وإخلاص، ويواصل العمل بالليل والنهار دون كلل أو ملل، إلى أن تمكنّت الجهود بالتوصل لاتفاق وقف الحرب على أهلنا في قطاع غزة، بعد محطات حققت خطوات متقدمة، لكن تم إفشالها من قبل الكيان الإسرائيلي.
إن أهلنا في غزة يستحقون كل ما يبذل من أجلهم.. ولن تدّخر قطر جهداً في سبيل ذلك، وستكون - كما كانت دائماً - أول الواصلين وأول الداعمين لإعادة الحياة الكريمة لأهلنا في قطاع غزة العزة.
هذا الشعور بالوفاء تجاه أهلنا في غزة وشعب فلسطين هو موضع فخر واعتزاز لكل مواطن قطري، وقد كانت سعادتنا بالغة وفخرنا كبيراً أن تتحول قمة شرم الشيخ إلى شهادات تقدير عالمي لسمو الأمير المفدى لدوره الكبير في صنع السلام والوصول إلى الاتفاق الذي أنهى الحرب في غزة. لقد سمع العالم كلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يقول: «أشكر بشكل خاص أمير دولة قطر وهو رجل استثنائي وقائد مذهل يحظى باحترام عظيم «. وجاء الشكر والتقدير المشابه من الرئيس المصري، فيما كانت شهادة من العالم الإسلامي بلسان رئيس وزراء باكستان الذي قال: «أشكر أخي العزيز الشيخ تميم الذي عمل جاهداً لتحقيق السلام في هذه المنطقة» فيما أشاد الملك الأردني بجهود قطر لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي.
من المؤكد أن هذه الشهادات التي جاءت على لسان قادة العالم وأمام العالم أجمع، هي شهادة صادقة بأن سمو الأمير المفدى صانع السلام وقائد استثنائي جدير بتقدير عربي وإسلامي وعالمي، فما قام به من جهد دؤوب وسعي مخلص وصادق ينبع من مبادئه ومواقفه الثابتة، فهو الداعم الدائم لفلسطين وشعبها حتى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، والنصير الدائم لحل النزاعات بالحوار والوساطة بعيداً عن الحروب والعنف لصنع السلام والاستقرار والازدهار في ربوع الشرق الأوسط.
لعل فرحة قطر، أميراً وحكومة وشعباً، تبقى في رؤية أن تتوقف الحرب عن إبادة أهلنا في غزة وعودة الحياة الكريمة والطبيعية إلى شعب قدم من التضحيات ما تعجز عنه كل شعوب العالم.
هنيئاً لأهل غزة بانتهاء الحرب، وهنيئاً لدولة قطر بنجاح جهودها مع الشركاء في الوساطة في تحقيق السلام.
في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد
168
| 17 أكتوبر 2025
الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد
231
| 17 أكتوبر 2025
منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد
141
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6564
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3438
| 12 أكتوبر 2025