رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً، إلا أن أحداً منا لا يرغب في الشيخوخة. فالإنسان بطبيعته يسعى للخلود في هذه الدنيا. وتروي الأساطير القديمة كيف كان الإنسان يسعى وراء “إكسير الحياة” من أجل نيل الخلود.
أما في مجتمعاتنا المعاصرة، فإن ظاهرة الشيخوخة تتزايد بشكل ملحوظ، وانتشرت المنتجات المضادة للتقدّم في العمر على نطاق واسع. وقد بلغت قيمة هذه المنتجات في الأسواق العالمية نحو 100 مليار دولار، بل إن هذا القطاع بات يُعرف باسم «الاقتصاد الفضي». لكن ما أسباب تزايد نسبة كبار السن في مجتمعاتنا؟ وما النتائج المترتبة على ذلك؟
باستثناء البلدان التي تعاني من الحروب والفقر، فإن متوسط العمر المتوقع يرتفع في جميع دول العالم، كما تزداد نسبة كبار السن في المجتمعات. فعلى سبيل المثال، شهد كل من تركيا وقطر خلال الخمسين عاماً الماضية زيادة كبيرة في متوسط العمر المتوقع؛ إذ كان هذا المتوسط في ستينيات القرن العشرين أقل من 60 عاماً، بينما وصل اليوم إلى نحو 80 عاماً. أي أن الناس يعيشون الآن ما يقارب جيلاً كاملاً أكثر من السابق. ويُعزى السبب في ذلك إلى التقدّم الكبير في المجال الصحي، بما في ذلك تطوير اللقاحات وتحسّن خدمات وتقنيات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى النجاح في مكافحة الأمراض المعدية، الأمر الذي ساهم في إطالة عمر الإنسان.
ومن جانب آخر، أدى تراجع معدلات الخصوبة إلى انخفاض عدد الشباب في المجتمع. ومع التقدّم في مظاهر الحداثة، أصبح الناس يتبعون أنماط تغذية أكثر صحّة ووعياً، كما تراجعت نسب وفيات الأطفال والأمهات بشكل ملحوظ. إضافةً إلى ذلك، ساهم انتقال السكان من المناطق الريفية إلى المدن في استفادتهم بشكل أكبر من الخدمات الصحية المتطورة. هذا التحوّل الديموغرافي لا يقتصر على تغيير البنية السكانية للمجتمع، بل يترك تأثيراً عميقاً على الاقتصاد والسياسات العامة والحياة الاجتماعية. فبعد أن كانت السياسات موجّهة بشكل أساسي نحو الشباب، باتت الآن مضطرة إلى التركيز أيضاً على احتياجات كبار السن ومتطلباتهم.
إن ازدياد عدد كبار السن يفرض إعادة النظر في سياسات الرعاية الصحية، وأدوار الأسرة، وأنظمة التقاعد، كما يؤثر على مجالات أخرى مثل سوق العمل، مما يستدعي تبنّي مقاربات جديدة. وفي المجتمعات المسلمة التقليدية، يدفع هذا الارتفاع في أعداد كبار السن العائلات إلى العيش معاً ضمن أسر متعددة الأجيال تضم ثلاثة أو أربعة أجيال في منزل واحد. ونتيجة لذلك، يتحمّل البالغون في منتصف العمر مسؤوليتين في آن واحد: تربية أطفالهم ورعاية آبائهم أو أجدادهم المسنين. وقد أُطلق على هذه الفئة في الغرب اسم “جيل السندويتش”، نظراً لأنها تقع بين جيلين وتواجه ضغوطاً نفسية ومالية كبيرة نتيجة هذا الوضع.
لقد تحوّل تركيز الخدمات الصحية، التي كانت تركز في السابق على صحة الأم والطفل والولادة، إلى إعطاء اهتمام أكبر برعاية المسنين. فمع التقدم في العمر، تصبح الأمراض المزمنة مثل السكري، وهشاشة العظام، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل، ومرض الزهايمر أكثر انتشاراً، مما يجعل الحاجة إلى الرعاية المستمرة والخدمات الطبية المتخصصة أكثر أهمية. ولمواكبة هذه التحولات، تعمل المؤسسات الصحية على توسيع خدماتها الخاصة بكبار السن، وتطوير مستشفيات صديقة للمسنين، والاستثمار في خدمات الرعاية المنزلية والرعاية الصحية عن بُعد.
تتزايد الخدمات المخصّصة لدعم الصحة النفسية للمسنين مع التراجع الجسدي وضعف القدرات الإدراكية الذي يصاحب التقدم في العمر، إذ يمكن للتقاعد وفقدان الشريك وصعوبات الحركة أن تقلل من فرص التفاعل الاجتماعي، مما يدفع إلى الاستثمار في بنى تحتية صديقة لكبار السن تشمل المساحات العامة المهيّأة ووسائل النقل الآمنة وتصميم المساكن الشامل. كما تسهم مراكز رعاية المسنين وبرامج التعلم مدى الحياة والمبادرات التطوعية في إبقاء كبار السن نشطين وفاعلين في المجتمع وتعزيز رفاههم العام. وعلى الصعيد السياسي، فإن تأثير كبار السن ليس جديداً، لكن المرحلة المقبلة قد تشهد حضوراً متزايداً لزعماء تجاوزوا الثمانين من أعمارهم.
إن ازدياد متوسط العمر يفرض الحاجة إلى مزيد من المرونة في تشغيل كبار السن، وإلى برامج إعادة تأهيل مهني، إضافة إلى تطوير سياسات تقاعد جديدة. ففترات التقاعد الطويلة تضع ميزانيات الدول، سواء في الغرب أو في تركيا، تحت ضغط مالي كبير، مما يهدد استدامتها على المدى الطويل. أما في العالم العربي والإسلامي، فإن تصاعد مطالب كبار السن، في وقت لم تُلبَّ فيه بعد احتياجات الشباب بشكل كافٍ، قد يجعل المشهد السياسي أكثر تعقيداً. ومع ذلك، فإن إطالة العمر قد تتيح فرصة للأحفاد لرؤية أجداد أجدادهم، مما يعزز روح التفاهم والتضامن بين الأجيال. وكما كان جدي يقول لي عندما كنت صغيراً: «يا حفيدي، قد لا أصبح مثلك، لكنك يوماً ما ستصبح مثلي».
إدراك وفهم عميقان لمعنى وحقيقة يوم القيامة، اليوم الذي تنقطع فيه كل الصلات والوشائج والعلاقات التي كانت بين... اقرأ المزيد
114
| 16 أكتوبر 2025
• فرحة التأهّل إلى كأس العالم هي فرحة بطعم خاص، بطعم استضافة كأس العالم 2022، ذلك الحدث التاريخي... اقرأ المزيد
117
| 16 أكتوبر 2025
في زمنٍ سريعٍ يركض بنا دون توقف، نعتقد أحيانًا أن ما نقوله أو نفعله يمرّ بلا أثر. غير... اقرأ المزيد
102
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9027
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6540
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5733
| 14 أكتوبر 2025