رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشهد المنطقة هذه الأيام حالة من الترقب مع الإعلان عن مشاورات عربية وإسلامية للرد على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، تمهيدًا لعقد قمة عربية – إسلامية في الدوحة خلال الأيام المقبلة. وتأتي هذه التحركات في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية التي طالت الأراضي الفلسطينية وامتدت إلى المساس بسيادة دولة قطر، وهو ما يضع القمة المرتقبة أمام اختبار حقيقي: هل ستكتفي بالشعارات، أم تخرج بقرارات رادعة وملزمة ؟
أكد عدد من الباحثين أن الهدف من التشاور الجاري مع الشركاء في المنطقة هو بناء موقف موحّد يواجه التحديات الراهنة. فبدون هذا التنسيق، تبقى المواقف متفرقة ويضعف أثرها على الساحة الدولية. ومن أبرز ما يمكن أن تسفر عنه هذه المشاورات:
- آليات ضغط سياسية ودبلوماسية منسقة على إسرائيل عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
- دعم إنساني ولوجستي للفلسطينيين، وتنسيق الحملات الإعلامية والدبلوماسية.
- تفاهمات عملية تضمن استمرارية التحرك وعدم اقتصاره على ردود فعل مؤقتة.
انعقاد القمة في الدوحة يمنحها ثقلًا خاصًا، كونها تجمع بين البعدين العربي والإسلامي في آن واحد. ومن المتوقع أن يصدر عنها: بيان ختامي قوي يدين الاعتداءات الإسرائيلية ويدعم فلسطين وقطر، لجان متابعة وزارية لضمان استمرارية القرارات، إجراءات عملية، مثل تحرك قانوني أمام محكمة العدل الدولية، أو ضغوط اقتصادية منسقة.
غير أنّ التحدي الأبرز يكمن في تنفيذ القرارات؛ فالتجارب السابقة تثبت أنّ كثيرًا من القمم اكتفت بالبيانات دون متابعة حقيقية. رغم التوقعات الشعبية بقرارات حازمة قد تصل إلى استخدام القوة، إلا أنّ القراءة الواقعية تشير إلى أنّ الخيار العسكري الجماعي مستبعد، لاعتبارات عدة:
الانقسام في المواقف العربية والإسلامية، وجود علاقات دبلوماسية وتجارية لبعض الدول مع إسرائيل، الضغوط والقيود الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة وحلفائها.
لكن هذا لا يعني غياب الردع، فهناك أدوات أخرى أكثر واقعية، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية، التحرك القانوني الدولي، الضغوط الاقتصادية، والحملات الإعلامية الموحدة.
إن الشعوب تنتظر من قمة الدوحة ما هو أبعد من الخطابات، وتطمح إلى قرارات تترجم إلى أفعال تعيد الثقة بجدوى العمل العربي والإسلامي المشترك. وإذا نجحت القمة في وضع جدول زمني ملزم وخطوات متابعة حقيقية، فقد تمثل بداية لمسار جديد. أما إذا اكتفت بالبيانات، فستُضاف إلى سلسلة القمم التي لم تغيّر في الواقع شيئًا.
إن القمة العربية الإسلامية المرتقبة في الدوحة ليست مجرد اجتماع بروتوكولي، بل لحظة اختبار للأمة: إما أن تتحول إلى محطة مفصلية تؤسس لجبهة رادعة تُجبر إسرائيل على مراجعة حساباتها، أو تبقى خطوة رمزية تفتقد التنفيذ. والقرار في النهاية بيد القادة، فيما تبقى عيون الشعوب معلقة تنتظر أفعالًا لا أقوالًا.
* تبرير الاغتيال العابر للحدود
في خطابه الأخير لم يكتفِ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بالتعدي على سيادة الدول وتهديدها بصورة مباشرة، بل صعّد عندما استدعى وقائع تاريخية مرتبطة بالولايات المتحدة، محاولًا إسقاطها على واقع مختلف تمامًا .
ففي خطابه أعلن أن أمريكا خاضت حربًا شرسة ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، ونجحت في اغتيال أسامة بن لادن في باكستان، ليخلص إلى القول: "اليوم نعود لمكافحة الإرهاب الذي اعتدى على اسرائيل في 7 أكتوبر، أينما كان هذا الإرهاب موجودًا. وعلى قطر والدول الأخرى أن تعلم أن عليها إما تسليم قادة حماس للمحاكمة أو تتحمل نتائج ذلك بأننا سوف نقتلهم."
يحاول نتنياهو أن يمنح نفسه وحكومته شرعية دولية مفتعلة عبر ربط ما جرى في السابع من أكتوبر بالأحداث التي ضربت الولايات المتحدة في 2001. لكنه يتجاهل الفارق الجوهري: ما حدث في فلسطين لم يكن "اعتداءً إرهابيًا" بالمعنى الدولي، بل فعل مقاومة مسلحة ضد احتلال ممتد لعقود، في ظل حصار وقمع ممنهج، وهو ما يقر به القانون الدولي الذي يعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
إلا أن نتنياهو، بذكاء سياسي مموّه، يستغل النموذج الأمريكي بعد 11 سبتمبر ليصوّر نفسه كجزء من معركة "العالم الحر" ضد "الإرهاب"، محاولًا إعادة تدوير مصطلحات استُخدمت قديمًا لتبرير الحروب والغزو.
الأخطر في خطاب نتنياهو لم يكن المقارنة التاريخية فحسب، بل التهديد الصريح لسيادة دول بعينها، وعلى رأسها قطر. فالقول بأن على هذه الدول أن تسلم شخصيات أو فصائل فلسطينية "للمحاكمة" وإلا ستواجه "نتائج قاسية" هو إعلان واضح بنية انتهاك القانون الدولي وشن عمليات عابرة للحدود.
هنا يحاول الاحتلال أن يضع نفسه في موقع "الجلاد والقاضي" في آن واحد، متجاوزًا الأعراف الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول، ومُلوِّحًا باستخدام القوة خارج نطاق الأراضي المحتلة.
من خلال استدعاء حادثة اغتيال أسامة بن لادن، يسعى نتنياهو إلى تبرير نهج الاغتيالات الذي تبنته حكومته منذ سنوات، والذي تصاعد في الآونة الأخيرة حتى طاول عواصم عربية وإسلامية. إنه يريد القول: "كما فعلت أمريكا فلنا الحق أن نفعل مثله"، متجاهلًا أن الحالة الفلسطينية حالة تحرر وطني لا يمكن مقارنتها بحركات الإرهاب العابرة للحدود.
بهذا المنطق، يحاول الاحتلال أن يصنع لنفسه مظلة أخلاقية زائفة، يقدمها لجمهوره الداخلي من جهة، ويطرحها أمام الغرب من جهة أخرى ليحصل على دعم سياسي وعسكري أوسع.
إدخال قطر ودول أخرى في دائرة الاتهام يفتح بابًا لتوترات إقليمية جديدة. فبدل أن يبقى الصراع محصورًا بين إسرائيل والفلسطينيين، يحاول نتنياهو أن يوسّعه ليشمل الدول الداعمة أو المتعاطفة مع القضية الفلسطينية.
إذا مضى الاحتلال في هذا النهج التصعيدي، فإن المنطقة مقبلة على مزيد من الاضطراب. فالتهديدات العلنية لدول ذات سيادة قد تدفع إلى ردود فعل دبلوماسية قوية وربما إعادة حسابات في العلاقات الإقليمية. كما أن محاولات تصوير المقاومة الفلسطينية كإرهاب عالمي ستزيد من حدة الانقسام الدولي حول القضية، وتفتح الباب أمام مزيد من الاستقطاب بين الشرق والغرب.
وفي الوقت نفسه، قد يؤدي الخطاب إلى تقويض دور الوساطة الذي لعبته دول مثل قطر في ملفات حساسة، سواء في غزة أو في قضايا أخرى، ما يعقد أي فرصة للحلول السلمية أو التفاهمات المرحلية.
خطاب نتنياهو الأخير ليس مجرد تصريح عابر، بل هو خطة سياسية محكمة تقوم على التهديد والابتزاز وتزييف الحقائق. فمن خلال استدعاء أحداث 11 سبتمبر واغتيال بن لادن، يحاول أن يمنح نفسه تفويضًا دوليًا لممارسة سياسات عدوانية تتجاوز الحدود، وأن يضع الدول العربية والإسلامية في موقف الدفاع بدل الهجوم.
لكن الحقيقة الثابتة هي أن ما يجري في فلسطين ليس "إرهابًا"، بل مقاومة مشروعة ضد احتلال ممتد. وأن تهديد سيادة الدول لا يغير من الواقع شيئًا، بل يكشف زيف الخطاب الإسرائيلي وازدواجية المعايير الدولية.
** مغالطات نتنياهو تتطلب موقفًا عربيًا وإسلاميًا موحدًا، يعيد التذكير بجوهر القضية، ويرفض محاولات خلط الأوراق، ويؤكد على أن الحق الفلسطيني لا يمكن تصنيفه تحت أي لافتة سوى الحرية والتحرر.
هناك من اختار الحياة والعمران فيها لأن اختياره يوافق طموحه المتألق وطبيعة الخير فيه وهناك من اختار الهدم... اقرأ المزيد
120
| 15 سبتمبر 2025
في السياسة، لا تكفي النيات الطيبة، ولا حتى الاعترافات المتأخرة، حين لا تُترجم إلى التزام ميداني أو محاسبة... اقرأ المزيد
189
| 15 سبتمبر 2025
لم يعرف الشرق الأوسط الاستقرار منذ مائة عام، فقد كان مسرحًا لمقاومة الاستعمار وحركات الاستقلال، وللانقلابات العسكرية، والحروب... اقرأ المزيد
441
| 15 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا لو اهتزت الدوحة؟ ماذا لو تحوّل الأمان إلى صدمة؟ (تخيل) أن (جهة ما) استهدفت مقرًا سكنيًا لحركة (ما) في قلب العاصمة، بلا سابق إنذار.الضربة لا تهز مبنى وحسب، بل تهز النفوس، والمجتمع، والتعليم، والجامعات… وحتى صورة المستقبل. هنا السؤال الذي يفرض نفسه؟ إذا اهتزت الدوحة.... من يهتز أولاً ؟ اهتزاز المجتمع… بين الصدمة والصلابة: المجتمع بكامله يدخل في اختبار جماعي عند الأزمات. يولد القلق، ويضعف الإحساس بالأمان، لكن في الوقت نفسه تتكشف فرص لصناعة الصلابة المجتمعية. هذه الصلابة تبدأ من وعي المواطن، وتنمو عبر التعليم وتترسخ عبر ثقافة المسؤولية المشتركة بين الدولة والأفراد. اهتزاز الأمن النفسي… الشرخ الخفي: الأمن النفسي هو الركيزة الأولى لأي مجتمع مستقر. فإذا تصدّع هذا الركن، انهارت معه القدرة على التفكير المتوازن، واتسعت دوائر الخوف والارتباك. الأزمات لا تقتل بالجراح المباشرة وحدها، بل بما تزرعه في النفوس من قلق وشعور بالعجز. أما آن الأوان أن يُنظر إلى الأمن النفسي كأولوية وطنية لا تقل عن الأمن العسكري أو الاقتصادي؟ إنه صمام الأمان الذي يحدد قدرة المجتمع على الصمود أمام أي صدمة، وهو الخط الفاصل بين مجتمع ينهار عند أول اهتزاز، ومجتمع يُعيد ترتيب نفسه ليقف أكثر قوة. الأزمات تكشف هشاشة أو قوة المناهج. التعليم لم يعد مجرد رياضيات وعلوم، بل مهارات حياة، كيف يتعامل الطالب مع الخوف؟ كيف يحافظ على اتزانه النفسي وسط الصدمات؟ وكيف يتحول من ضحية محتملة إلى جزء من الحل؟ المطلوب أن تتحول المناهج إلى منصات لتعليم مهارات التكيف والوعي الأمني. الجامعات القطرية مطالبة بتطوير برامج أكاديمية في الأمن وإدارة الكوارث، وإنشاء مراكز بحث تدرس انعكاسات الأزمات على المجتمع والنفس البشرية. لم تعد الجامعة مجرد منارة للعلم، بل أصبحت درع وعي يحمي المجتمع ويُسهم في استقراره. الاستقرار ليس معطى أبديًا، بل بناء يومي يتطلب وعيًا، تعليما، وتأهيلاً نفسيًا وأمنيًا. هذه الصدمة الافتراضية قد تتحول إلى فرصة وطنية لإعادة التأسيس، مناهج أعمق، جامعات أقوى، وأكاديميات أمنية تندمج في صميم العملية التعليمية. لماذا تؤجل دراسة العلوم السياسية حتى تُطرح كتخصص جامعي، وكأنها شأن خاص بالنخبة أو الباحثين. الوعي السياسي في جوهره وعي وطني، يبدأ من المراحل الدراسية الأولى، مثلما يدرس الطالب الجغرافيا أو التاريخ. إدراج مبادئ العلوم السياسية في المناهج المبكرة يمنح الطلبة أدوات لفهم العالم من حولهم، يعزز انتماءهم الوطني، ويُنمّي لديهم القدرة على قراءة الأزمات والتعامل معها بوعي لا بردود فعل عاطفية. إنه استثمار طويل المدى في جيل يعرف كيف يحمي وطنه بالمعرفة، قبل أن يذود عنه بالفعل. فالدرس الأكبر أن الأزمات، مهما كانت قاسية، قد تُعيد صياغة المستقبل على أسس أصلب وأعمق.إن الرسالة ليست مجرد تحذير افتراضي، بل نداء وطني. أما آن الأوان أن نُعيد صياغة حاضرنا لنضمن مستقبلنا؟ وفي قطر، حيث تحفل الساحة بقيادات واعية، قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية، يظل الأمل كبيرًا بأن نُحوّل التحديات إلى فرص، وأن نصوغ من زمن التسارع تاريخًا جديدًا يليق بوطن لا يعرف التراجع.
1767
| 11 سبتمبر 2025
انطفاء ألسنة لهب الغارات على مساكن قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، لا يعني أبدا نسيان هذا العدوان الإرهابي الهمجي، فهو سيبقى شاهدا على وصول العربدة الإسرائيلية إلى ذروتها، في ظل أسئلة جادة عن حدود الصبر العربي وصمت المجتمع الدولي؟ لقد شكّل هذا الهجوم الغادر اعتداء سافرا على سيادة دولة قطر، ومحاولة آثمة لنقل أجواء الحرب إلى قلب الخليج، في سابقة خطيرة تعكس استخفافا صارخا بالقانون الدولي، ودوسا على أبسط قواعد النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وعدم المساس بأمنها واستقرارها. المفارقة المؤلمة أن الدولة التي طالتها يد العدوان الإسرائيلي هذه المرة، هي نفسها التي حملت على عاتقها طوال الأشهر الماضية عبء الوساطة الشاقة في حرب غزة، فعلى مدار عامين أظهرت الدبلوماسية القطرية قدرة لافتة على فتح قنوات تفاوض بالغة الحساسية، وبذلت جهودا متواصلة في سبيل بلورة حلول توقف نزيف الدم وتفتح الطريق أمام تبادل الأسرى وإمكانية إنهاء الحرب، برغم العراقيل المتعمدة والمتكررة التي وضعها الاحتلال لنسف أي فرصة للسلام. ومن هنا فقد بات واضحا أن الرسالة التي أرادت «حكومة الإبادة» بقيادة بينامين نتنياهو إيصالها من هذا العدوان هو أنها ترغب في اغتيال مسار الوساطة ووأد كل جهد يسعى لإنهاء الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهي رسالة تكشف أن هذه الحكومة، بتركيبتها المتطرفة، لم تعد ترى في الدم الفلسطيني سوى وقود لبقائها، وأداة للهروب من أزماتها الداخلية المتفاقمة وانقساماتها العميقة. لكن الأخطر أن هذا السلوك يكشف عن نزعة عدوانية متصاعدة للاحتلال ربما تفتح الأبواب على مصاريعها أمام مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. نعم، فحين تصبح عاصمة خليجية آمنة - بغض النظر عن أي ذرائع أو مبررات- هدفا مشروعا في عقل صانع القرار الإسرائيلي، فذلك لا يعني سوى شيء واحد وهو أن المنطقة بكاملها باتت في مرمى حسابات متهورة لا تعترف بسيادة الدول ولا تقيم وزنا للاستقرار أو للقوانين والأعراف الدولية، ما يهدد بجر المنطقة برمتها إلى ويلات لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية. لقد عكست حالة التضامن العالمي الواسع مع دولة قطر عقب هذا العدوان المكانة التي باتت تحتلها هذه الدولة الخليجية، والتقدير الذي تحظى به جهودها الدؤوبة لوقف حرب غزة، لكن هذه المواقف على أهميتها اللحظية يجب أن تقترن بخطوات عملية تردع هذا السلوك العدواني المنتهك لسيادة الدول وتمنع تكراره سواء على دولة قطر أو غيرها من دول المنطقة. كما ينبغي أن تشكل هذه الحادثة نقطة تحول حقيقية، تدفع المجتمع الدولي إلى ما هو أبعد من التضامن السياسي والبيانات التقليدية، فالمطلوب اليوم هو تحرك عملي يلزم إسرائيل بوقف عدوانها، والدخول في مفاوضات جدية برعاية الوسطاء، لإنهاء حرب الإبادة في غزة ولجم مساعي حكومتها المتطرفة لتفجير كل المنطقة عوضا عن التجاوب مع المساعي الحميدة لإخماد الحروب والتوترات.
1443
| 12 سبتمبر 2025
ما جرى بالأمس لم يكن حدثًا عابرًا، بل هجوم أيقظ الضمائر وأسقط الأقنعة، الضربة الصهيونية التي استهدفت مقرًا لقيادات المقاومة أثناء اجتماع لبحث مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، لم تكن مجرد اعتداء عسكري جبان، بل إعلانًا صريحًا بأن هذا الكيان الغاصب قد فقد أوراقه السياسية، ولم يعد يملك سوى منطق العصابة المنفلتة التي لا تعبأ بالقوانين ولا تحترم سيادة الدول ولا تراعي أبسط الأعراف الإنسانية. لقد انكشفت البربرية على حقيقتها، الدولة التي حاولت أن تفرض هيبتها بالحديد والنار، كشفت عن ضعفها وانكسارها أمام العالم، لم يعد في جعبتها إلا لغة الغدر وضربات عشوائية لا تفرّق بين مدني وعسكري، ولا بين أرض محايدة وأرض محتلة، ولا بين عدو ووسيط، تلك العلامات الواضحة لا تعني إلا شيئًا واحدًا: الانهيار من الداخل بعد سقوط صورتها في الخارج. نحن أمام لحظة فارقة، لحظة اختبار للتاريخ: هل سنرتقي إلى مستوى المسؤولية ونحوّل هذا الحدث غير المسبوق إلى بداية لصحوة عربية وإسلامية؟ هل سنشكّل جبهة موحّدة مع شرفاء العالم لنضع حدًا للتواطؤ والتطبيع، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا، ونغلق الأبواب التي فُتحت لهم تحت شعارات مضللة لم تجلب سوى الوهم والعار؟ أم سنمضي كأن شيئًا لم يكن؟ إنها فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، ليست القضية قضية قطر وحدها، بل قضية كل شبر عربي مهدّد اليوم بانتهاك السيادة، وغدًا بالاحتلال الصريح، لقد أثبتت التجارب أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة الردع، ولا يقرأ إلا معادلات القوة، وكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الاستباحة والاستهانة بحقوقنا وكرامتنا. نحن أمة تمتلك أغلب موارد الطاقة ومفاتيح طرق التجارة العالمية، ومع ذلك تُعامل كأطراف ضعيفة في معادلة الصراع، آن الأوان أن نتحرك لا بخطابات رنانة ولا بيانات جوفاء، بل بمواقف عملية تُعيد الهيبة إلى هذه الأمة. لقد أراد الاحتلال من وراء هذه العملية الغادرة أن يوجّه رسالة مرتبطة بمقترح ترامب، مفادها أن لا صوت يعلو فوق صوته، لكن الرد الحقيقي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُستباح، والقرار لا يُملى من واشنطن ولا من تل أبيب. الغدر هو آخر أوراقهم… فلنجعل وحدتنا أول أوراقنا.
1377
| 10 سبتمبر 2025