رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

303

مها الغيث

الرومي وعشق إيفا الفرنسية

13 سبتمبر 2025 , 12:59ص

تعكس مقدمة ديوان (رباعيات مولانا جلال الدين الرومي) حضوراً بارزاً للصوفي المسلم (جلال الدين الرومي) في الثقافة العربية ككل والثقافة الغربية على حد سواء، حيث سعت الأخيرة من خلال مستشرقيها وانكبابهم المخلص على دراسة التصوف الإسلامي -لا سيما في نسخته الأصلية من النص الفارسي- على نشر تراثه الروحي عالمياً، وكذلك صنعت (إيفا دوفيتري ميروفيتش 1909: 1999).

إنها أكاديمية فرنسية، أحبت رسالة الرومي حين عكفت على قراءة كتبه ودراسة حياته، وقد وجدتها حسب تعبيرها «رسالة حب ذات بُعد أخوي». الحب الذي مكّنها من مكاشفة الفتح الإلهي واعتناق الإسلام في نهاية المطاف، وقد قالت: «رأيت أن الإسلام وحده هو الكفيل بأن يحقق لي هذا الإيمان».

أما الفقيه والمتصوف والشاعر، صاحب ديوان المثنوي الأشهر والطريقة المولوية (جلال الدين الرومي 604 - 672 هـ) أو محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، فقد وُلد في مدينة بلخ بخراسان، ويعود نسب أجداده إلى أفغانستان الحالية، وهو الذي كان يفتخر بأصله الخراساني رغم رحيله إلى مدينة قونية في صغره.

تبدو إيفا على صفحات الديوان وهي تشعّ محجّلة في إحرام الحج، والتي ينساب حديثها فيه نوراً وفتحاً وبركة وهي تحدّث عن روح الإسلام، وهو الديوان الذي يتطرق كذلك إلى سيرتها الذاتية! حصلت إيفا على درجة الدكتوراة في الفلسفة، حيث عكفت من بعدها على دراسة العلوم الإسلامية وتعلم اللغة الفارسية التي مكّنتها فيما بعد من ترجمة رباعيات جلال الدين الرومي. وقد تعرفت ابتداءً على الدين الإسلامي من خلال دراسة أكاديمية عميقة لمؤلفات الشاعر الباكستاني محمد إقبال، وكذلك على الرومي الذي قال فيه إقبال نفسه: «صيّر الرومي طيني جوهرا»، والذي تواصلت معه وقدّمته للقارئ الغربي من خلال ترجمة بعض كتبه. ومن ثم، قادها هذا التعارف إلى قراءة فلسفة الغزالي وتفسير البيضاوي، والتنقل لاحقاً في بلاد العرب عن طريق البعثات العلمية التي تكفّلت بها الحكومة الفرنسية نحو المغرب ولبنان ومصر، حيث توطدت علاقتها بالدكتور طه حسين والتقت بشيخ الأزهر ووزير الأوقاف آنذاك، ثم أخيراً زيارتها لإقليم البنجاب المفعم بروح التصوف ومدينة قونية، لتنعم بمعاني الكونية والانفتاح الإنساني وروح التعايش. لقد كانت تحرص على زيارة قونية، مدينة الرومي، حتى تهنأ بمشاهدة مريديه رؤى العين، وقد صرحت في آخر محاضرة ألقتها هناك عام 1998 بأمنيتها قائلة: «أود أن أدفن بقونية كي أبقى تحت ظلال بركات مولانا إلى يوم الحساب». لذا، وبعد وفاتها ودفنها في مقبرة بالقرب من مدينة باريس، تطوّع بعض رفاقها الأتراك لنقل رفاتها في يوم 17 من ديسمبر عام 2008 أو فيما يُسمى بـ (احتفالية يوم العرس) التي تُشير إلى ذكرى رحيل الرومي، حيث أقيمت مراسم الدفن من جديد على الطريقة الإسلامية، ودُفنت في المقبرة الواقعة قبالة ضريح الرومي.

نشرت إيفا أول ترجماتها للرباعيات في مدينة إسطنبول عام 1946 عن نشرة الأديب والشاعر الإيراني بديع الزمان فروزنفر التي تضمنت ما يقارب ألفي رباعية، غير أنها امتنعت عن ترجمتها كاملة لتعذّر نقل بعض النصوص دون خسارة الذوق الجمالي الخاص بلغتها الأصلية.

ومن الرباعيات التي جاءت في نظمها الشعري بأربعة مقاطع: (رباعية 147)، والتي فيها يظهر المرء ينعم بالقرب الإلهي حين يسلّم أمره لله، بينما لا يورثه التوغّل في جنبات نفسه إلا الحزن، بل ويكثّف طبقات الحُجُب بينه وبين الله تعالى. تترجم إيفا عن الرومي هذا المعنى قائلة: «إن أصبحت غنيمة الله تحررت من الحزن، ‎وإن تغلغلت داخل نفسك صرت حبيساً لها. ‎اعلم أن وجودك حجاب في طريقك. ‎لا تمكث مع نفسك، فلن تحس إلا بالضجر».

أما في (رباعية 189) فيبدو أن العقل البرهاني ليس كالقلب الصوفي، إنما يتحصّل العلم اللدني عندما يُستغنى عن العقل! فتترجم إيفا عن الرومي هذا المعنى بدورها قائلة: ‎»يقال: العقل الكلي يملك الكثير من العلوم. ‎العقل الكلي جوهر هذا العالم! ‎هذا العقل صاحب العقل، إنه العقل الجزئي. ‎عندما يتنازل العقل عن العقل يصبح عقلاً كلياً».

وعلى الحياة يمر العابرون، من الأنبياء والأولياء والأبدال والأمثل فالأمثل.. مرور كلمح البصر، لكنه يبقى محفور الأثر! في هذا المعنى تترجم إيفا عن الرومي نفحاته من (رباعية 291) قائلة: «ها قد مرّ فارس مكتنف بالأسرار، فتعالت سحابة من الغبار! ‎رحل.. وسحابة الغبار باقية! ‎انظر أمامك. لا يمنة ولا يسرة. ‎غباره هنا، والفارس في دار البقاء».

ختاماً أقول: لقد كان لإيفا حلم في تعريف الفرنسيين وغيرهم من الناطقين بالفرنسية بـ «الرسالة الجمالية للإسلام»، وقد سعت في تحقيق حلمها حينما أجادت اللغة الفارسية وقدّمت للغرب بل وللمسلمين أنفسهم نفحة روحية قوية لأحد أتباع النبي محمد ﷺ وإرثه الروحي الخالص، وقصدت ببثّ كل معنى عميق، حَمَله الفهم النقي لرباعيات جلال الدين الرومي. وقد يكون قراءة ديوانها المرهف هذا بمثابة إحياء جانباً من حلمها الذي عاشت لأجله وماتت عليه.

اقرأ المزيد

alsharq عمري قطر

في أغلب الأحيان تكون المصائب والنوائب لها نتائج إيجابية كبيرة، وهنا أتحدث عن الغدر الصهيوني بدولة قطر الحبيبة،... اقرأ المزيد

447

| 15 سبتمبر 2025

alsharq انتهاك السيادة وسؤال الأمة والأزمة.. إلى أين؟

هناك من اختار الحياة والعمران فيها لأن اختياره يوافق طموحه المتألق وطبيعة الخير فيه وهناك من اختار الهدم... اقرأ المزيد

123

| 15 سبتمبر 2025

alsharq هل الاعترافات كافية؟ مقاربة نقدية لأفق الدولة الفلسطينية

في السياسة، لا تكفي النيات الطيبة، ولا حتى الاعترافات المتأخرة، حين لا تُترجم إلى التزام ميداني أو محاسبة... اقرأ المزيد

192

| 15 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية