رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

177

د. فاطمة سعد النعيمي

الشورى بصيرة.. لا تستشر إلا ناصحًا شفيقًا

10 أكتوبر 2025 , 12:00ص

توارثنا في تراثنا العربي والإسلامي قولًا حكيمًا يحمل معنى عميقًا: «وأنفعُ من شاورتَ من كان ناصحًا شفيقًا، فأبصر بعدها من تشاور». هذا القول يلخص فلسفة متكاملة في التعامل مع الرأي والمشورة؛ فلسفة تجد جذورها في القرآن الكريم، الذي جعل الشورى مبدأً أساسياً في الحياة الفردية والجماعية.

فالقرآن يصف المؤمنين بأنهم: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38]. ووضع الشورى قرينةً لإقامة الصلاة، مما يكشف عن أهميتها في بناء مجتمع متماسك يقوم على المشاركة لا الانفراد، وعلى الحكمة لا الاستبداد.

حتى النبي ﷺ، وهو المؤيد بالوحي، أُمر بمشاورة أصحابه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]. ولم يكن الأمر شكليًا، بل كان أسلوب قيادة يرسّخ الثقة ويجمع الطاقات، ويمنح الأمة شعورًا بالشراكة في القرار.

غير أن القول البليغ يلفت نظرنا إلى نقطة جوهرية: ليست كل مشورة نافعة. فالشورى تحتاج إلى شرط أساس: أن يكون المستشار ناصحًا شفيقًا. فالنصيحة الصادقة هي التي تخلو من الغش والمصلحة الضيقة، كما جاء على لسان الأنبياء: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [الأعراف: 68]. أما الشفقة فهي الرحمة والحرص على الخير، وقد وصف الله نبيه ﷺ بقوله: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].

إن المستشار الذي يجمع بين النصيحة والأمانة والرحمة، هو وحده من يجعل الشورى بصيرة، ويمنح القرار بعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا. أما إذا غاب الصدق أو غابت الشفقة، تحولت الشورى إلى مجرد كلمات تُضل أكثر مما تهدي.

واليوم، نحن أحوج ما نكون إلى إحياء هذا المبدأ القرآني في بيوتنا، ومؤسساتنا، ومجتمعنا. فليكن لكلٍّ منا “ناصح شفيق” يثق برأيه، يستشيره في الملمات قبل اتخاذ القرار. فمن استشار من يريد الخير له، أبصر، ومن أعرض عن النصيحة الصادقة، تعثر.

مساحة إعلانية