رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جواهر آل ثاني

مساحة إعلانية

مقالات

210

جواهر آل ثاني

ما بين المرايا

07 أكتوبر 2025 , 02:02ص

تقول مرآة السيارة: الأجسام المرئية على المرآة ليست على المسافات أو من الأبعاد الحقيقية.. كما هو الحال مع مرآة الحياة. في الواقع نرى الأشخاص والأشياء على غير مسافاتها وأبعادها الحقيقية. لا شيء كما يبدو. لا الأشياء على ما تبدو عليه ولا الناس كما يظهرون. كل ظاهر له باطن. وكل ظهر له بطن. وكل صورة، لها انعكاسها الذي لا يظهر الصورة كما هو في الحقيقة ولكن يظهرها بصورة مختلفة وإن لم نلاحظ التفاصيل الدقيقة. الحال نفسه بالنسبة للإنسان الذي ينظر إلى نفسه بالمرآة ويرى شخصا لا يشبهه أو عندما يصور نفسه بالكاميرا ويرى شخصا مخادعا لا يمثله (imposter). والناس بدورها أيضا ترى بعضها بصور مختلفة.

ما هو السبب الذي يجعل الإنسان يرى نفسه بصورة مختلفة عن نظرة الناس له؟ ما هو السبب الذي يجعل الناس لا يرون الإنسان على حقيقته التي يعرفها عن نفسه و في نفسه؟ الناس لا تعرف خفايا هذا الإنسان. ولا هو يعرف تكوين الناس الذي يجعلهم يرونه بصورة معينة او حتى نمطية في بعض الأحيان.

‏ولهذا السبب يقال دائما لا تحكموا على الكتاب من عنوانه. لا تحكموا على الفيلم من البوستر. لا تحكموا على الأغنية بسبب تاريخ مؤلفها. لا تحكموا على الإنسان من فعل واحد فعله لأن الظاهر قد يكون مختلفا عن الباطن بسنين ضوئية. 

‏عادة الاحكام المسبقة التي نطلقها على الناس قبل معرفتهم تحد من واقعنا ومن حياتنا ومن قدراتنا، لأن الاخر امتداد لنا ونحن امتداد للآخرين. 

‏الحكم على الآخرين من ظاهرهم وخاصة في هذا الزمن ظلم لهم لأننا في زمن المظاهر. يحرص الناس اليوم على ظاهرهم أكثر من مضمونهم وبالتالي تخرج لنا صور غير حقيقية من الآخرين. لا يمكننا أن نصدقها كلها، لأننا بذلك قد نخسر فرصة مع ناس مواطنهم الجميلة لم تظهر للبيان، وقد نقع في فخ خداع المظاهر التي تجذبنا كنحل إلى زهرة ثم يتبين لنا عن قرب بأننا ننجذب نحو مصيدة.

‏علينا نعطي فرصة للناس كي يعطونا فرصة قبل أن يحكموا علينا. حكمنا على الناس قبل معرفتهم قد يحمينا من بعض البشر ومن أخطار كنا نستطيع أن نتجنبها لو حكمنا على الكتاب من عنوانه واستمعنا إلى حدسنا. ولكن الحكم على الناس قبل معرفتهم قد تضيع علينا فرص عمل وصداقات عمر وحتى شريك حياة كنا لنتعرف عليه لولا أحكامنا المسبقة. قد نظلم أناس بناء على أشكالهم على أساس المظهر والانتماء والصور النمطية التي تشربناها طوال حياتنا. والأهم من كل ذلك، أنه عبر قيامنا بالحكم على الناس بناء على ما نراه فقط، سيحكم علينا الناس بناء على ما يرونه مننا بدورهم. هكذا تدور دائرة الحياة.

مساحة إعلانية