رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

585

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

هل كان نصراً لغزة أم بداية استسلام لإسرائيل؟

05 أكتوبر 2025 , 02:52ص

في لحظة مفصلية من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، جاء الإعلان عن موافقة حركة حماس على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما تلاها من تعليمات مباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بتقليل العمليات العسكرية ووقف الحرب حالاً، ليكشف عن تحوّل كبير في مسار الأحداث. وبينما اعتبر البعض ذلك نصراً لغزة وصمودها، رأى آخرون فيه بداية لاستسلام سياسي يشرعن بقاء الاحتلال. لكن وسط هذه القراءات المتباينة، برزت جهود دولة قطر كعامل أساسي ساهم في دفع الأطراف نحو تهدئة مؤقتة، حيث شكّل وقف نزيف الدم الفلسطيني أولوية قصوى لدى صاحب السمو أمير البلاد المفدى، الذي جعل من الملف الفلسطيني شاغله الأول في المحافل الدولية.

فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب، بين دعمها التقليدي لإسرائيل من جهة، وتزايد الضغوط الدولية والعربية من جهة أخرى. تعليمات ترامب لإسرائيل بوقف الحرب فوراً عكست خشية أمريكية من فقدان النفوذ في المنطقة، لا سيما بعد تزايد الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية وارتفاع الأصوات الغاضبة من صور المجازر في غزة. هذا التحول منح حماس ورقة قوة، إذ بدا وكأن واشنطن لأول مرة تعترف عملياً بأن استمرار الحرب لم يعد مقبولاً دولياً، وأن على إسرائيل الانصياع ولو جزئياً للضغط الأمريكي.

استجابة نتنياهو للتعليمات الأمريكية بتقليل العمليات العسكرية لم تكن خياراً سهلاً. فاليمين الإسرائيلي المتشدد يرى في أي تهدئة تراجعاً أمام المقاومة. لكن الحقيقة أن نتنياهو لم يكن قادراً على تحدي أوامر البيت الأبيض دون خسائر سياسية وأمنية فادحة. لذلك حاول أن يسوّق الأمر داخلياً باعتباره إعادة انتشار عسكرية، بينما هو في الواقع انصياع لضغوط دولية وضمان لاستمرار الغطاء الأمريكي.  بالنسبة لحماس، فإن الموافقة على خطة ترامب لم تكن إعلان استسلام، بل خطوة براغماتية لالتقاط اللحظة السياسية. الحركة تعلم جيداً أن استمرار الحرب سيؤدي إلى المزيد من الدمار الإنساني، فاختارت أن تترجم صمودها العسكري والسياسي إلى مكسب دبلوماسي، يضعها على طاولة التفاوض كطرف لا يمكن تجاهله. قبولها بالخطة أعطاها فرصة لوقف نزيف الدم، وكسب اعتراف غير مباشر من واشنطن والعواصم الغربية بوزنها السياسي.

 لا يمكن الحديث عن هذه التطورات دون التوقف عند الدور القطري البارز. فمنذ الأيام الأولى للحرب، تصدرت دولة قطر المشهد الدبلوماسي، مسخرةً ثقلها السياسي وعلاقاتها مع جميع الأطراف من أجل وقف التصعيد.

 الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى لم يترك مناسبة دولية إلا وأكد فيها أن وقف الحرب في غزة هو شاغله الأول، موجهاً رسائل متكررة إلى المجتمع الدولي بضرورة تحمّل مسؤولياته الإنسانية.

- أما الدبلوماسية القطرية بقيادة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، فقد تحركت على أكثر من مسار، من واشنطن إلى بروكسل، ومن القاهرة إلى أنقرة، في سلسلة لقاءات ماراثونية مع القادة والمسؤولين، بهدف إيجاد مخرج سياسي يُنهي العدوان ويعيد فتح قنوات الإغاثة الإنسانية. وقد نجحت هذه الجهود في تقريب وجهات النظر، ودفعت باتجاه جعل ملف غزة بنداً دائماً على طاولة النقاش الدولي، الأمر الذي ساهم بشكل غير مباشر في صدور التعليمات الأمريكية بوقف الحرب.

بين النصر والاستسلام... جدل مفتوح

من يراه نصراً لغزة:- نجاح المقاومة في إجبار إسرائيل على التراجع عن خططها العسكرية الشاملة.

- فرض ملف غزة على الأجندة الدولية بقوة، وإجبار الولايات المتحدة على تغيير موقفها.

- الاعتراف الضمني بحماس كطرف سياسي لا يمكن تجاوزه.

من يراه استسلاماً لإسرائيل:

- القبول بخطة أمريكية قد يحمل في طياته تنازلات سياسية مستقبلية.

- تقليص مساحة المقاومة إلى حدود “تهدئة مشروطة” قد تستخدمها إسرائيل لإعادة ترتيب صفوفها.

- استمرار اعتماد حماس والفصائل على ضغوط دولية بدلاً من فرض معادلة ميدانية خالصة.

ما بين النصر والانكسار، يبقى المؤكد أن غزة لم تخرج من هذه الحرب كما دخلتها. فقد أثبتت أن صمودها قادر على قلب الحسابات الكبرى، وأجبرت واشنطن وتل أبيب على التراجع، ولو بشكل تكتيكي. وفي المقابل، نجحت قطر عبر دبلوماسيتها النشطة واهتمام قيادتها الحكيمة في أن تكون صوت غزة في المحافل الدولية، مؤكدةً أن قضية فلسطين ستظل في قلب الأولويات القطرية والعربية.

ويبقى السؤال: هل سيُسجل التاريخ هذه اللحظة كانتصار سياسي وإنساني لغزة وشعبها، أم ستظهر الأيام المقبلة أنها مجرد هدنة مؤقتة تسمح لإسرائيل بإعادة ترتيب أوراقها؟

مساحة إعلانية