رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علياء معجب الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

87

علياء معجب الدوسري

من التلقين إلى التفكير.. المنهج التربوي في ظل الثورة المعرفية القطرية

04 سبتمبر 2025 , 02:53ص

في عالم تتسارع فيه وتيرة المعرفة، وتتشابك فيه مصادر المعلومات، وتتقارب فيه الثقافات عبر فضاء رقمي مفتوح، لم يعد أسلوب التعليم القائم على التلقين والحفظ وحده قادراً على إعداد أجيال مواكبة لعصرها. وإن هذا الواقع يفرض على المؤسسات والمراكز التعليمية والتربوية إعادة النظر في فلسفتها وأدواتها، لتنتقل من مجرد نقل المعلومات إلى تنمية القدرة على التفكير النقدي، والتحليل، والإبداع. وفي دولة قَطر، التي اختارت منذ سنوات أن تجعل التعليم قاطرة التنمية، جاءت الثورة المعرفية لتشكل فرصة تاريخية لتجديد المناهج، وتطوير أساليب التدريس، وبناء منظومة تعليمية تواكب المستقبل، وتستجيب لرؤية وطنية طموحة تستهدف الاستثمار الأمثل في رأس المال البشري.

- الانتقال من التلقين إلى الفهم العميق

لوقتٍ طويل، ظل التلقين هو النمط السائد في كثير من الأنظمة التعليمية العربية، حيث يتلقى الطالب المعلومة جاهزة، ويحفظها ليعيد إنتاجها في ورقة الامتحان، ثم ينساها بعد ذلك بوقت قصير. ولكن هذه التجربة القطرية في العقد الأخير كسرت هذا القيد، متجهة نحو التعليم التفاعلي الذي يضع الطالب في قلب العملية التعليمية. ففي العديد من المدارس القطرية، أصبح الطالب يشارك في أنشطة عملية تحاكي الواقع، مثل تصميم مشاريع بحثية صغيرة أو إعداد عروض تقديمية جماعية أو خوض تجارب علمية داخل المختبر. على سبيل المثال، في درس عن الطاقة المتجددة، يُطلب من الطلاب إعداد نموذج مصغر لتوربين رياح أو لوحة شمسية باستخدام أدوات بسيطة، مما يجعلهم يدركون المفاهيم العلمية من خلال الممارسة لا الحفظ فقط. هذا النهج يعزز الفهم العميق، ويرسخ المعرفة في الذاكرة طويلة المدى، ويشجع على الابتكار.

- المناهج القطرية في ظل الثورة المعرفية

الثورة المعرفية التي تشهدها قطر ليست مجرد شعارات أو تحديث للمباني المدرسية، بل هي عملية شاملة تمس جوهر التعليم. فقد تم دمج مهارات القرن الحادي والعشرين في المناهج، مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتواصل الفعّال، والعمل الجماعي، والقدرة على التعلم الذاتي. كما تم إدخال موضوعات حديثة، مثل الاقتصاد الرقمي، وأساسيات الذكاء الاصطناعي، ومفاهيم الاستدامة البيئية، في المراحل المبكرة من التعليم.

على أرض الواقع، نشهد اليوم مدارس قطرية تشارك فرقها الطلابية في مسابقات عالمية للروبوتات والبرمجة، وتحقق مراكز متقدمة، مما يعكس نجاح الدمج بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي. كما أن الأنشطة اللامنهجية لم تعد مجرد ترف، بل أضحت جزءًا أساسيًا من المنظومة، حيث يتعلم الطالب من خلالها مهارات القيادة، والابتكار، والعمل التطوعي، وهي جميعًا قيم تدعم بناء شخصية متوازنة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

- المعلم محور التغيير

المعلم هو قلب العملية التعليمية، وأيّ إصلاح للمناهج لن يحقق أهدافه إذا لم يمتلك المعلم الأدوات اللازمة لتطبيقه. ولهذا، أولت دولة قطر اهتمامًا خاصًا بتأهيل الكوادر التعليمية، من خلال برامج تدريبية متقدمة، وشراكات مع جامعات ومؤسسات تربوية عالمية.

تتضمن هذه البرامج ورش عمل مكثفة حول أساليب التعليم النشط، وتوظيف التكنولوجيا في الصف، وإدارة بيئات التعلم التفاعلية. على سبيل المثال، تم تدريب المعلمين على استخدام المنصات التعليمية الرقمية التي تتيح متابعة تقدم كل طالب بشكل فردي، وتخصيص الأنشطة بما يتناسب مع مستوى فهمه. وبهذا تحوّل دور المعلم من ناقل للمعلومة إلى ميسر للتعلم، وموجه يحفز طلابه على البحث والاستكشاف.

وهكذا، فإن التحول الذي تشهده المناهج القَطرية من التلقين إلى التفكير الإبداعي والنقدي هو جزء من رؤية أوسع تستهدف جعل قطر مركزًا إقليميًا للمعرفة والابتكار. وبالتالي، فإن هذا النهج لا يكتفي بإعداد طلاب قادرين على النجاح في اختباراتهم المدرسية، بل يهيئهم ليكونوا رواد أعمال، وباحثين، ومفكرين يسهمون في تقدم وطنهم. ففي عالم اليوم، لم يعد السؤال الأهم هو «ماذا تعرف؟»، بل «كيف تستخدم ما تعرفه؟»؛ والمناهج القطرية الجديدة تسعى للإجابة على هذا السؤال عبر ممارسات تعليمية متطورة، ومعلمين مؤهلين، وبيئة تعليمية ثرية بالفرص. ومع استمرار الاستثمار في التعليم كأولوية وطنية، فإن قطر تمضي بثبات نحو بناء جيل يصنع المعرفة، ويبتكر الحلول، ويحمل راية النهضة في القرن الحادي والعشرين.

اقرأ المزيد

alsharq من الخور إلى الدوحة.. نداء لا يُرد

في الفضاء الواسع، لا يسكنُ الناسُ وحدهم، بل يسكنُ معهم وجعٌ لا يُقال، وحنينٌ لا يُحتمل. ذكرياتٌ مثقلةٌ،... اقرأ المزيد

156

| 05 سبتمبر 2025

alsharq الستر.. أعظم درس في التربية

في حياة كل إنسان ثمة مواقف صغيرة قد تغيّر مسار حياته كله. قد تكون كلمة عابرة أو تصرفًا... اقرأ المزيد

210

| 05 سبتمبر 2025

alsharq طفل مُندفع

لا يمكنه السيطرة على انفعالاته؛ وبنبرة تعاطف قالت أمه: ما زال صغيراً فعمره خمس سنوات فقط، وبدأت الشكوى... اقرأ المزيد

213

| 05 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية