رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد العزيز المصطفى

 - كاتب وأكاديمي

مساحة إعلانية

مقالات

255

عبد العزيز المصطفى

غزة وضمير الإنسانية

03 أكتوبر 2025 , 12:00ص

في «غزّةَ هاشِم»، حيثُ تُغرَسُ البُطولةُ في كلِّ شِبرٍ من تُرابِها، وتَختلطُ رائحةُ التُّرابِ بدماءِ الأطفالِ والشُّيوخِ، لا تَنامُ الأُمَّهاتُ إلّا على هديِر الطّائراتِ، ولا يَستيقِظُ الأطفالُ إلّا على أَنِينِ الجوعِ، أو دَوِيِّ القذائفِ الّتي تَنسِفُ البيوتَ على رؤوسِ ساكِنِيها.

فما يَجري في الأراضي المُحتلّةِ ليسَ مُجرّدَ عُدوانٍ عَسكريٍّ يَفوقُ كلَّ المقاييسِ، بل هو إبادةٌ مُنظّمةٌ مُكتملةُ الأركانِ، تَتحالفُ فيها آلةُ القتلِ الصُّهيونيّةُ معَ صَمتٍ دُوليٍّ مُريبٍ، وتَواطُؤٍ واختلالٍ عَميقٍ في مَنظومةِ القِيمِ الإنسانيّةِ. والأَنكى، أنّ الكارثةَ باتت تُستهلَكُ إعلاميًّا في بَعضِ القنواتِ، كما لو كانت تَقريرًا عن الطّقسِ، وكأنّ الأرواحَ الّتي تُزهَقُ لا تَستحقُّ أكثرَ من مرورٍ عابرٍ في يومٍ طويلٍ! حتى أصبحت مَشاهدُ المَذابحِ الجَماعيّةِ تَمرُّ أَمامَ أعيُنِنا كَفيلمِ رُعبٍ لا يَعنينَا؟!

وفي هذا المَقامِ، ومن وحيِ الحدثِ، أَستحضِرُ عامَ المجاعةِ في «المَدينةِ المُنوّرةِ» في زمنِ الخليفةِ «عُمرَ بنِ الخطّابِ» رضيَ اللهُ عنه، وقد اجتاحَ الجفافُ الجزيرةَ العربيّةَ، وعمّتِ المجاعةُ وضاقَ النّاسُ ذَرعًا، حتّى أَكلوا أوراقَ الشّجرِ، فأَرسلَ «عُمرُ بنُ الخطّابِ» رَسائلَ إلى وُلاتِه في الأَمصارِ، يَطلبُ منهمُ العَونَ، وأن يُرسِلوا القوافلَ الإغاثيّةَ إلى «المَدينَةِ المُنوّرةِ»، وخَتَمَ كِتابَه قائلًا: «فواللهِ لا أَكلتُ حتّى يأكُلَ آخِرُ جائعٍ في المدينةِ!»

جاءتْه القوافلُ من كُلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ، من «مِصرَ» والشام» والكوفة»، ومعَها ضمائرُ حيّةٌ، تَأبَى أن تَشبَعَ وجَسَدٌ على بُعدِ آلافِ الأميالِ يَتضوّرُ جوعًا، كانوا يَتسابقونَ في نَجدةِ المُستضعفينَ!.

فأينَ نحنُ من تِلكَ الهبّةِ؟! أينَ الّذين ينظرون لحقوق الإنسان من تِلكَ الأعمالِ الخالدةِ؟! لن تَعذِرَنا الأجيالُ، ولن يغفر لنا أطفالُ «غزّة» خِذلاننا لهم، ولن تَمحُوَ الدماءُ الّتي تسيلُ في غزة خَطايانا.

ولدينا الكَثيرَ والكَثيرَ من الوسائلِ، إن صَدقتِ النّوايا، وقَرّرنا العملَ، وأخذنا الرأي السليم، ووقفنا في الجانب الصحيحِ من التّاريخ، إنّنا أَصحابُ الحَقِّ والتّاريخِ والجغرافيا، وعلَينا واجبُ الدّفاعِ والمُناصَرةِ.

«غزّةُ الجَريحةُ» لا تَنتظرُ مِنّا بُكاءً على أَطلالِها، بل فِعلًا يُعيدُ لها بَعضَ الحياةِ، لا تَسأَلُنا أن نَموتَ مِن أجلِها، بل أن نكونَ أحياءً في زَمنِ المَوتِ الجَماعيِّ.  إنّ جريمةَ الإبادةِ في «غزّةَ وصمةُ عارٍ على جَبينِ كُلِّ منظومةٍ سياسيّةٍ وعالميّةٍ تَواطَأت بالصّمتِ، أو اكتَفَت بالتّنديدِ، أو ساهمت في شَرعَنةِ الاحتلالِ، أو بَرّرت له هَمجِيَّتَهُ السّاديّةَ.

فلنُبْقِ «غزّةَ» حيّةً في وعيِنا، في مَجالِسِنا، في إعلامِنا، ولْنُذكِّرْ الأجيالَ القادمة بما فعَلَتْهُ آلةُ الحربِ البَربريّةِ العنصرية، ولْنَستحضرْ دِماءَ الأبرياءِ في سُلوكِنا اليوميِّ، فالصّمتُ اليومَ ليسَ حيادًا، ولا أَخفَّ الضَّررَينِ، ولا انحناءً لعاصفةٍ عابرةٍ، بل هو خِيانةٌ لِتاريخِنا، وتسليمٌ للجغرافيا، قِطعةً تِلوَ أُخرى.

خاتمًا: ما يَحدُثُ في غزّةَ اليومَ، ليسَ امتحانًا لِصمودِها وكسرًا لإرادتها، بل هو اختبار لِصورتِنا نَحنُ كبشرٍ، فهلْ بَقِيَتْ لنا إنسانيّةٌ بعدَ كلِّ الذي حدثَ... ويَحدُثُ، أم أننا نُردد صدى العجز خائفين؟!.

 

اقرأ المزيد

alsharq لا نريدها هدنة مؤقتة

أثناء تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي استوقفني أحدهم ممن يصفونهم بالمنجمين والذين يدّعون العلم بالمستقبل ولا يعلم بالغيب سوى... اقرأ المزيد

210

| 05 أكتوبر 2025

alsharq يوم المعلم.. مهنة لن تختفي

يقول الاسكندر الأكبر: أنا مدين لمعلمي لأنه قدم لي حياة جديدة. يحتفل العالم أجمع بيوم المعلم الذي ينظم... اقرأ المزيد

174

| 05 أكتوبر 2025

alsharq المبادرة.. وتداعيات حرب الإبادة

ضغوط عالمية وداخلية شعبية لوقف الحرب وانهاء الابادة، تسارع مكوكي لا يوصف في مفاوضات الصلح بين حماس واسرائيل... اقرأ المزيد

120

| 05 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية