رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

210

مها الغيث

الرومانسية كنِد للعقلانية

03 أكتوبر 2025 , 12:00ص

يحمل هذا الكتاب (الرومانسية الأوروبية بأقلام أعلامها) نصوصا نقدية مختارة، تعبّر بصدق عن (عصر الرومانسية الأوروبي)، أو بالأحرى، الحركة الفكرية والأدبية والفنية التي سادت أوروبا أواخر القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، وهي الحركة التي عظّمت قيمة العاطفة الإنسانية، ومجّدت الطبيعة والخيال والإبداع وكل ما هو خارج عن المألوف، وذلك كردة فعل جريئة ضد (عصر التنوير) وما اصطبغ به من منطقية وعقلانية وعلم وفلسفة، وما أتت به الثورة الصناعية من تحولات علمية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية كبرى.

بمعنى أكثر دقة وحسب ما جاء به الكتاب، فقد استهلت الرومانسية في أوروبا كأنفاس جديدة أعقبت عهد المنطق وصرامة العقل، لا تُعنى بالبرهان بقدر ما تصغي إلى نبض الوجدان، وقد تجلّت في ثلاثة تيارات متقاربة زماناً ومكاناً، تشترك في جوهرها وإن اختلفت ملامحها، ففي ألمانيا أواخر القرن الثامن عشر، ظهرت مدرسة الكتّاب التي ارتبط اسمها بالكاتب والشاعر والناقد (فريدريش شليغل)، لتثور على القوانين الجمالية الموروثة منذ زمن أرسطو، وتستبدلها بسلطان العاطفة والخيال، حتى غدت الرواية النثرية التعبير الأوفى عن روح العصر، تماماً كما كانت الملحمة لسان حال الكلاسيكية القديمة. أما في إنجلترا وفي العقد الأخير من القرن نفسه، فقد بزغت مدرسة الشعر والنقد بقيادة الشاعران (كولريدج) و(وردزورث)، فانتفضت بدورها على الأطر الأرسطوطالية، وسعت إلى تحرير الشعر من قيود القافية المكرورة، وفائض الزخرفة البلاغية، لتعيده إلى جوهره الذي يحاكي صدى النفس الإنسانية القلقة، ورَجْع القلب في مخاطبته للطبيعة والاستضاءة بها! غير أنه في فرنسا، وتحديداً في الفترة ما بين (1850:1820) فقد نضج اتجاه ثالث امتاز بشغف مفرط نحو (الأنا)، وبنزعة إلى التعبير عن شعور الحزن والوحدة، وما يثيره القلق من دوامة أسئلة وجودية لا تنتهي، ومن هذا المناخ، وُلد اهتمام متجدد بالآداب الجرمانية والإسكندنافية، واستمد الرومانسيون من الآداب الشعبية موارد إلهام حارة بديلة عن جمود كلاسيكيات الماضي.

لذا، يسهب الكتاب في جزئه الأول وهو يتعلق بـ (مفهومات وتعريفات) للحديث في: الشعر الميتافيزيقي العالمي، وأدب الشمال، وشعر الخيال، والعمل الكلاسي مقابل الرومانسي، والشعر المتسامي على الواقع، بينما في جزئه الثاني (الفن الرومانسي: المبادئ الرئيسية)، يتحدث عن: وظيفة الفن، والخيال المبدع، ومظاهر الجمال، في حين يأتي في جزئه الثالث (الفن الرومانسي: الشكل والجنس الأدبي) ليتطرّق إلى: مزج الشكل، والمسرحية، والقصة، والشعر الغنائي....، وكل ذلك من خلال استشهاده بقائمة طويلة من أعلام الرومانسية، الذين انغمسوا فيها عبر القارة الأوروبية، أمثال: فكتور هوغو، مدام دي ستايل، صموئيل كولريدج، ألفونس دي لامارتين، إفريدريتش إشليغل، جون كيتس.......، وخاصة في الشعر كأسمى صور الفن، وقد عدّوا الرومانسية تعبيرا آخر عن الروح، وسبيلاً للارتقاء بالذات الإنسانية. 

ومع عمق المعنى الفلسفي للنصوص الواردة، الذي يعود إلى طبيعة الحركة الثقافية والفنية والفكرية المنبثقة عنها، تشير مؤلفة الكتاب النمساوية (لليان فرست 2009:1931) وأستاذة الأدب المقارن في جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى ضرورة العناية بترجمتها وبدقة، وذلك كما تقول في مقدمتها: «نظراً للغة الاصطلاحية التي يؤثرها كثير من الرومانسيين، وهي لغة ابتكارية وخيالية ومجازية إلى حد كبير، ومعقدة غالباً أو مجزأة في بناء جملها، وذاتية الاستعمال أحياناً». وهكذا، يحرص مترجم الكتاب (د. عيسى علي العاكوب) على دقة المعاني، وهو أستاذ للبلاغة والنقد في جامعة حلب، وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق، إضافة إلى أعماله الأخرى في الأدب والشعر والترجمة. 

ففي الحديث عن الأدب الرومانسي ككل، تقول المؤلفة في الجزء الأول: «إن الأدب الرومانسي هو الأدب الوحيد الذي ما يزال قادراً على أن يكون أدباً تاماً، لأن جذوره ضاربة في تربتنا، ولأنه الشكل الفني الوحيد الذي في مقدوره أن يزدهر ثانية، ذلك لأنه يعكس معتقدنا الديني، ويردد أصداء تاريخنا، وهو قديم لكنه ليس ضارب الجذور في التاريخ».

ثم تورد في الجزء الثاني، رأي الشاعر الإنجليزي (بيرسي بيش شلّي) في روح الشعراء، حيث قال: «الشعراء هم الكهنة لوحي غير مفهوم، وهم المرايا للصور الضخمة التي يلقيها المستقبل على الحاضر، والكلمات التي تعبّر عما لا يفهمونه، والأبواق التي تستنفر للمعركة، ولا تُحس بما تُلهم. إنهم السائل الأثيري الذي يحرّك. الشعراء هم مشرّعو العالم غير المعترف بهم».

أما الجزء الثالث، فتصوّر فيه تمرّد الشاعر والروائي الفرنسي (فيكتور هوغو) على التقليد، وهو يقول: «دعنا نمزق النظريات وفن الشعر والأنظمة إرباً إرباً. دعنا نمزق هذا القناع القديم الذي يغطي واجهة الفن! ليس ثمة قوانين ولا نماذج، أو على الأصح، ليس من ثمة قوانين غير القوانين العامة للطبيعة التي تحدد الوحدة الكاملة للفن والقوانين الخاصة بكل تأليف، تلك التي تنبثق من الظروف الملائمة لكل موضوع». ثم وهو يخصّ روح الشاعر من جديد بقوله: «على الشاعر -ودعنا نؤكد على هذه النقطة- أن يستمد النصح فقط من الطبيعة ومن الحقيقة ومن الإلهام الذي هو حقيقة وطبيعة أيضاً».

اقرأ المزيد

alsharq مرحلة جديدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد

156

| 08 أكتوبر 2025

alsharq بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد

819

| 08 أكتوبر 2025

alsharq قراءة في العقل الأمريكي.. كيف هندس ترامب صفقة غزة؟

بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد

159

| 08 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية