رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

171

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

قمة التنمية الاجتماعية في الدوحة

02 نوفمبر 2025 , 03:37ص

تشهد الدوحة في الفترة من الرابع إلى السادس من نوفمبر 2025 انعقاد القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، والتي تنطلق رسميًا يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر، في حدث دولي يترقبه المجتمع الدولي لما يحمله من رؤية جديدة تعيد رسم مفهوم التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم، وتزايد الفجوات بين الشعوب، وتنامي الحاجة إلى نماذج تنموية تُعلي من قيمة الإنسان وتضعه في صدارة الأولويات الوطنية والدولية. هذا الحدث يرسّخ مكانة الدوحة كمركز عالمي للحوار والمبادرات الإنسانية، ووجهة للدبلوماسية الفاعلة التي تسعى لبناء الجسور وتوحيد الجهود الدولية من أجل مستقبل أكثر إنصافًا واستقرارًا. ولا يُنظر إلى هذه القمة كفعالية بروتوكولية، بل كمنصة لإطلاق رؤية جديدة لعقد اجتماعي عالمي، يقوم على التعاون والتضامن والتكامل بين الدول والمؤسسات والأفراد، بعيدًا عن النموذج التقليدي الذي ركّز لعقود على الأرقام الاقتصادية وتجاهل في كثير من الأحيان متطلبات الإنسان وحقوقه الأساسية. ويأتي انعقاد هذه القمة في توقيت يشهد فيه العالم تغيرات عميقة، من تحولات اقتصادية جذرية إلى ثورة تكنولوجية تعيد تشكيل أسواق العمل، ومن تحديات مناخية تضرب موارد الدول إلى موجات هجرة ونزاعات تلقي بظلالها على الأمن الإنساني، ما يجعل من الضروري إعادة التفكير في الأدوات والسياسات التي بُنيت عليها التنمية لعقود طويلة. إن انعقاد هذا الحدث العالمي في الدوحة يمثل اعترافًا دوليًا بالدور المتنامي لدولة قطر في صياغة الأفكار العالمية، وتعزيز الحوار الإنساني، ودعم الدول في مسيرة التنمية المستدامة. فالدوحة أصبحت خلال السنوات الأخيرة منصة رائدة تجمع القادة وصنَّاع القرار والخبراء لوضع حلول واقعية لمشكلات العالم، انطلاقًا من رؤية ترتكز على أن التنمية ليست رفاهًا اقتصاديًا فقط، بل منظومة متكاملة تبدأ بالإنسان وتنتهي بتحقيق الكرامة الإنسانية للجميع دون تمييز. وتعتبر هذه القمة فرصة عالمية لمناقشة سبل تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، وتطوير برامج الرعاية، وتمكين الفئات الأكثر هشاشة، وضمان تكافؤ الفرص، ودعم الشباب ليكونوا جزءًا من صناعة المستقبل لا مجرد متلقين للفرص. كما تشكل مناسبة لإعادة تقييم دور المرأة في التنمية باعتبارها شريكًا رئيسيًا في بناء المجتمعات الحديثة، ولتأكيد دور الأسر والمجتمعات المحلية في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. ويؤكد هذا الحدث أن العالم بات يدرك أن النمو الاقتصادي مهما كان ضخمًا لا يمكن أن ينجح بمفرده في بناء مجتمعات مستقرة، وأن العدالة الاجتماعية ركيزة أساسية لتنمية دائمة، وأن غيابها يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وارتفاع البطالة وتآكل الثقة بين الشعوب ومؤسساتها. ولعل ما يميز هذه القمة هو الإيمان العميق بأن الإنسان هو رأس المال الأهم، وأن الاستثمار في التعليم والصحة والمهارات وتنمية القدرات هو الطريق الحقيقي لبناء مستقبل مزدهر. كما تؤكد القمة أهمية خلق منظومات مرنة قادرة على مواجهة الأزمات مثل الأوبئة والتقلبات الاقتصادية، وأن الحماية الاجتماعية ليست ترفًا بل ضرورة إستراتيجية. ومن خلال استضافة هذا الحدث، تقدم الدوحة نموذجًا حضاريًا يعكس رؤيتها القائمة على التوازن بين التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وعلى ترسيخ قيم التعاون العالمي والمسؤولية الإنسانية. ويمثل المؤتمر فرصة لتعزيز مكانة قطر كدولة داعمة لسلم واستقرار العالم، وواجهة للحوار البنَّاء والسياسات المستنيرة التي ترتكز على العقلانية والإنسانية في آن واحد. إن الرسالة التي تنطلق من هذه القمة هي أن العالم بحاجة إلى رؤية جديدة للتنمية تتجاوز الحسابات الضيقة وتبني على مبادئ المشاركة والتكافل ومواجهة التحديات بشكل جماعي، كما تبعث هذه القمة رسالة مفادها أن الدول القادرة على الجمع بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية هي الدول التي ستقود مستقبل العالم. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى التنافس على النفوذ والموارد، تقدم قطر من خلال استضافة هذه القمة نموذجًا للتنافس الإنساني الشريف القائم على السياسة الأخلاقية والدبلوماسية المسؤولة، بما يعزز موقعها كمركز إشعاع حضاري وإنساني. ومن المتوقع أن تسهم القمة في إطلاق مبادرات عالمية تتعلق بالحماية الاجتماعية والعمل اللائق والتنمية البشرية وتمكين الشباب، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي بين الحكومات والمنظمات الأممية والمؤسسات البحثية. وبذلك ستشكل هذه القمة علامة فارقة في مسيرة العمل التنموي الدولي، وستسهم في تعزيز الفهم العالمي لمفهوم التنمية الشاملة من منظور يوازن بين احتياجات الإنسان ومتطلبات الاقتصاد، ويعزز قيمة العدالة والتضامن. ومن الدوحة، ينطلق صوت العالم في هذه القمة ليؤكد أن مستقبل التنمية يبدأ من احترام الإنسان، وأن بناء مجتمعات قوية يتطلب سياسات قائمة على التوازن والعدالة، وأن الدول التي تمنح الإنسان مكانته هي الأكثر قدرة على مواجهة التغيرات وصناعة مستقبل مزدهر ومستدام. وبذلك تواصل الدوحة دورها العالمي في بناء عالم أكثر عدلاً وأمناً وازدهارًا، مؤكدة أن التنمية الشاملة ليست هدفًا محليًا بل رسالة إنسانية مشتركة، وأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر قيمة وتأثيرًا في تاريخ البشرية.

مساحة إعلانية