رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبد الله النعمة

مساحة إعلانية

مقالات

123

د. عبد الله النعمة

عقد الثقة المفقود.. كيف نصنع توازناً جديداً في مجتمع الشكوك؟

01 أكتوبر 2025 , 02:47ص

كانت الثقة يوماً ما فطرية، وكانت كلمة الرجل ميثاقاً. لكن الحياة تعقدت، ونشأت بيننا «ثقافة شكوك» لها ما يبررها. فهل نستسلم ونتحسر على الماضي؟ الحل ليس في الحنين، بل في الشجاعة على بناء مستقبل مختلف، عبر الانتقال من «الثقة الفطرية» المتآكلة إلى «الثقة الواعية» التي يجب أن نصنعها بأيدينا صناعةً. هذه الثقة الجديدة لا تُمنح تلقائياً، بل تُكتسب عبر عقد اجتماعي جديد، بنوده مستمدة من عمق ثقافتنا.

ما هي بنود هذا العقد؟

بند الوضوح والبيان (لا غرر): الشفافية في ثقافتنا ليست مجرد نشر تقارير، بل هي شرط أخلاقي. فالمشروع الغامض باطل روحانياً قبل أن يكون فاشلاً إدارياً.

بند الشورى والأمر الجامع: المشاركة المجتمعية ليست مجرد ممارسة إدارية، بل هي تطبيق لمبدأ «الشورى» القرآني، وتجاهلها خرق للمنهجية الربانية في إدارة الشأن العام.

بند الأمانة والمسؤولية («كلكم راعٍ»): هذا الحديث يذكر القائم على أي مشروع بأنه ليس مجرد «مدير»، بل هو «راعٍ» مؤتمن على موارد وطموحات المجتمع.

بند تفقُّد الأحوال (صلة الرحم المجتمعية): التواصل الفعال ليس مجرد اجتماعات، بل هو اهتمام شخصي حقيقي، كعاداتنا في العزاء والتهنئة، التي هي غراء يقوي المجتمع.

بند حفظ الكرامة (لا منّ ولا أذى): هذا هو البند الجوهري. فطريقة تنفيذ المشروع لا تقل أهمية عن المشروع نفسه. يجب أن يشعر المستفيد بأنه شريك مُكرّم، لا مُتلقٍ للمنة.

قد يسأل سائل: ولماذا كل هذا الجهد في عصر الشكوك؟ ألا توجد تكلفة ومخاطرة؟ بلى، فالثقة الواعية لا تعني السذاجة. لكن الحكمة تقتضي ألا نغفل عن التكلفة الباهظة لـ «نظام الشك» نفسه: تآكل العلاقات، موت المبادرات، وتضخم البيروقراطية الخانقة. التكلفة الأعظم للشك هي تفتيت «العصبية المجتمعية» التي هي روح الأمة وصمام أمانها.

المطلوب إذن ليس ثقة عمياء ولا شكاً مُقعداً، بل هو التوازن. أن ندرك أن حفظ كيان المجتمع يتطلب منا الشجاعة على إعادة بناء جسور الثقة، لأنها شريان الحياة. إن دعوتنا هذه ليست مجرد دعوة لتحسين إدارة المشاريع، بل هي دعوة إستراتيجية لإعادة بناء «عصبية الأمة» التي تحدث عنها ابن خلدون، حتى نستعيد قدرتنا على التماسك والنهوض الحضاري.

مساحة إعلانية