رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

327

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

الاعتذار الإسرائيلي لدولة قطر.. حدث عابر أم تحول إستراتيجي؟

01 أكتوبر 2025 , 02:40ص

في مشهد نادر من مشاهد الصراع العربي الإسرائيلي، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارًا رسميًا لدولة قطر بعد الغارة التي استهدفت الدوحة وأدت إلى استشهاد رجل أمن قطري وعدد من المدنيين، فضلًا عن إصابة آخرين بجروح متفاوتة، الاعتذار جاء عبر اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أثناء وجود نتنياهو في واشنطن، وهو ما وصفته وكالة رويترز بالقول: «نتنياهو أقرّ بانتهاك سيادة قطر وأعرب عن أسفه لمقتل ضابط قطري في الهجوم» أما وكالة أسوشيتد برس فأكدت أن نتنياهو «تعهّد بعدم تكرار مثل هذا العمل على الأراضي القطرية مستقبلاً».

أن يضطر نتنياهو، المعروف بتعنته السياسي، إلى الاعتذار علنًا، فهذا بحد ذاته تحوّل يستحق التوقف عنده، الاعتذار لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق ضغوط أمريكية واضحة، حيث لم يكن البيت الأبيض ليسمح بانفجار أزمة جديدة مع قطر، وهي الدولة التي تلعب دور الوسيط الأبرز في ملف غزة، تقرير لموقع اكسيوس وصف الاعتذار بأنه «أمر غير مسبوق في تاريخ الصراع، إذ لم تعتد إسرائيل على تقديم اعتذارات رسمية لدول عربية بهذا الشكل».

الرسالة الأعمق من الاعتذار ليست مرتبطة فقط بالحادث العسكري، بل بمكانة قطر نفسها، فالدوحة التي كثيرًا ما تعرضت للتشكيك أو الهجوم بسبب استقلالية سياستها، تثبت اليوم أنها مركز ثقل لا يمكن تجاوزه، كما ذكرت فاينانشال تايمز، «الدوحة أثبتت أنها لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، وأنها قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص دبلوماسية».

الأهم أن قطر لم تتعامل مع الاعتذار كرد فعل عاطفي أو بروتوكولي، بل أظهرت مجددًا ديناميكية دبلوماسية لافتة، إذ حولت الأزمة إلى اعتراف عملي بمكانتها ونفوذها، فبينما تسعى دول كثيرة إلى تجنّب الأزمات، تبدو الدوحة وكأنها تحسن استثمارها بذكاء، بحيث تخرج من كل أزمة أقوى مما كانت.

يبقى السؤال: ما الذي يعنيه هذا الاعتذار لمستقبل المنطقة؟ داخليًا، قد يواجه نتنياهو انتقادات من اليمين الإسرائيلي الذي سيرى في الاعتذار ضعفًا وتراجعًا، لكن خارجيًا، هو يدرك أن دولة قطر تمثل شريانًا دبلوماسيًا لا غنى عنه، وأن خسارة قنواتها يعني تعقيد الحرب في غزة أكثر، صحيفة نيويورك تايمز أشارت في هذا السياق إلى أن «الاعتذار يعكس إدراك إسرائيل لأهمية دولة قطر كوسيط رئيسي في المنطقة، وضغط البيت الأبيض للحفاظ على قنواتها الدبلوماسية مفتوحة».

أما قطر، فقد ربحت معركة رمزية ومعنوية جديدة، إذ أثبتت أنها ليست مجرد دولة صغيرة في الجغرافيا، بل لاعب أساسي في المعادلة الإقليمية والدولية، وهو ما يعيد طرح سؤال مهم: هل كان الاعتذار مجرد تكتيك إسرائيلي فرضته لحظة ضاغطة، أم أنه بداية لتحول أعمق في موازين القوى بين إسرائيل ودول المنطقة؟

الاعتذار الإسرائيلي لدولة قطر ليس مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل علامة على أن من يمتلك القدرة على الاستثمار الذكي للأزمات، ومن يعرف كيف يحول الخسائر إلى أوراق قوة، يفرض نفسه على الطاولة مهما كان حجم الدولة أو موقعها، وهنا تبدو قطر وقد نجحت في أن تجعل من لحظة الخطر اعترافًا بمكانتها، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة في علاقة المنطقة مع إسرائيل، عنوانها أن السيادة لم تعد قابلة للتجاهل.

مساحة إعلانية