رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

332

على درب طه حسين تسير نحو النور

نورة المسلماني.. قلب يبصر ما عجزت عنه العيون

02 أكتوبر 2025 , 11:49ص
alsharq
الدوحة - الشرق

في عمرٍ لم يتجاوز السنة، فقدت نورة حسن المسلماني، بصرها بسبب خطأ طبي، لتبدأ رحلتها في عالم لم ترَ فيه الألوان أو الأشكال يومًا، وفي هذا تقول: "لا أملك تصورًا لشكل الناس، ولا حتى لوجه أمي وأبي، مهما حاول الآخرون أن يصفوا لي، تبقى الصورة غامضة. بالنسبة لي، هو عالم آخر، بحر من المجهول لا يمكنني تخيله، لكنني لم أشعر يومًا أن الأمر مؤلم أو عائق".

نورة، التي تبلغ اليوم 28 عامًا، وجدت نفسها منذ الطفولة جزءًا من أسرة احتضنتها ومن مجتمع تعلمت أن تواجه تحدياته، حيث التحقت عام 2002 بمركز النور للمكفوفين في مرحلة الروضة، ومنه انتقلت إلى مدرسة رقية الإعدادية للبنات، لتواصل بعدها مشوارها التعليمي حتى تخرجت من كلية الآداب بجامعة قطر، تخصص "علم النفس".

وعن الأحلام، تكشف نورة جانبًا مؤثرًا في حياتها: "حين أحلم، لا أرى صورًا أو أشكالًا، بل أسمع أصواتًا فقط، ليس لدي تصور عن الألوان أو وجوه الناس أو شكل البحر أو السيارات، حتى لو طلبت من أحدهم أن يص لي، كل شخص يعطي وصفًا مختلفًا، فلا يبقى في ذهني أي صورة واضحة".

ورغم ذلك، فإن نورة ترى أن الفقد لم يكن حرمانًا، بل عطاءً مختلفًا: "الله إذا أخذ من الإنسان نعمة، يمنحه أخرى. أنا أرى ببصيرة القلب. البصر من دون بصيرة لا يساوي شيئًا، أما الكفيف ببصيرته فيرى ما لا يراه غيره".

اليوم، وبعد أربع سنوات تقريبًا من عملها في التدريس، تؤكد نورة أن رسالتها الحقيقية هي أن تكون أثرًا إيجابيًا في حياة طلابها، مثلما ترك معلموها أثرًا عظيمًا فيها. وتقول: "أكبر أمنية لي أن يتذكرني طلابي يومًا ما ويقولون: هذه المعلمة غيرت فينا شيئًا، أو منحتنا ثقة بأنفسنا". 

رحلة نورة المسلماني ليست مجرد قصة فقدان بصر، بل قصة "إبصار بالقلب والإرادة"، فهي مثال على أن الظلام ليس في غياب النور عن العين، بل في غياب البصيرة عن القلب. وإلى نص الحوار: 

 

◄ بداية، عرفينا بنفسك؟

► أنا نورة حسن المسلماني، أبلغ من العمر 28 عامًا. التحقت بمركز النور عام 2002 كمنتسبة في مرحلة الروضة، وبعدها انتقلت إلى مدرسة رقية الإعدادية للبنات، ثم واصلت دراستي حتى تخرجت في كلية الآداب بجامعة قطر تخصص علم النفس. واليوم أعمل في المركز كمعلمة "برايل".

◄  هل ولدتِ فاقدة للبصر؟

 لا، أنا لم أولد كفيفة، لكني فقدت بصري نتيجة خطأ طبي عندما كان عمري أقل من سنة، ومنذ ذلك الحين لم أعِ شكل الأشياء أو الألوان، ولا أملك تصورًا بصريًا عنها، لكنني لم أشعر يومًا أن فقدان البصر كان مؤلمًا، بل تقبلت الأمر منذ طفولتي.

◄ كيف أثرت هذه التجربة على مسيرتك التعليمية؟

 بصراحة، لم أعتبر فقدان البصر عائقًا. نعم، واجهت تحديات كبيرة، خاصة عندما انتقلت من بيئة مركز النور النموذجية في اعداد المنتسبين إلى مدارس عامة تضم أكثر من 25 أو 30 طالبة في الصف، لكن بدعم أسرتي والمعلمين في المركز استطعت أن أتجاوز تلك العقبات بسهولة.

◄ وما الذي دفعكِ لاختيار علم النفس كتخصص جامعي؟

 كنت أبحث عن مجال يساعدني على فهم الآخرين وفهم نفسي، حيث منحتني دراسة علم النفس وعيًا أكبر، وجعلتني لا أحكم على الناس، بل أتعامل معهم بتسامح وأحسن الظن. أؤمن أن كل شخص يمر بظروف خاصة، ودورنا أن ندعم بعضنا لا أن نصدر الأحكام.

 

 

◄ كيف بدأتِ رحلتك مع التدريس؟

 التحقت بالعمل في مركز النور عام 2022 كمعلمة برايل، في البداية واجهت بعض الصعوبات، لكن من خلال الدورات التدريبية وورش العمل التي وفرها المركز ومركز مدى، طورت نفسي واكتسبت خبرات عملية. علاقتي بطالباتي مختلفة، فأنا أشعر أن الكفيف يفهم الكفيف أكثر من أي شخص آخر، لأننا مررنا بنفس التحديات.

◄ كيف تصفين علاقتكِ بالطالبات؟

 هي علاقة أبعد من مجرد "معلمة وطالبة"، إنها علاقة إنسانية وأخوية. كثيرًا ما تقول لي طالباتي إنني أترك أثرًا في حياتهن، وأنا أعتبر ذلك أعظم إنجاز في عملي، أشعر بهن وأدرك احتياجاتهن، وأحاول أن أوفر لهن ما كنت أتمنى أن أحصل عليه من معلماتي قديمًا.

◄ برأيكِ، ما الذي يحتاجه الطالب الكفيف أكثر من معلمه ومن المجتمع؟

 أولًا، يحتاج إلى من يفهمه ويدرك طاقاته، لا نريد شفقة، بل نريد فرصًا حقيقية. على المعلم أن يكتشف مواهب طلابه ويعمل على تنميتها، سواء في الكتابة أو التلاوة أو غيرها. الطالب يريد أن يتذكر معلمه لأنه ترك أثرًا إيجابيًا في حياته.

◄ هل لديكِ مواهب شخصية ترين أنها عوضتك عن فقدان البصر؟

 نعم، أعتبر نفسي متميزة في الارتجال في التحدث، والتلقائية، وسرعة الحفظ. أحب أيضًا النظام والترتيب في حياتي اليومية. أشعر أن هذه المهارات ساعدتني كثيرًا في عملي ومع طالباتي.

◄ نورة.. لعل سؤالي لا يسبب لكي أي ضيق، ولكن ما تصورك عن الأشياء، وهل في أحلامك تشاهدين الأشياء كصورة أم كصوت؟ 

 دعني أنقل لك تجربة يعيشها كل من ولد كفيفا لم ير النور في حياته، حين أحلم، لا أرى صورًا أو أشكالًا، بل أسمع أصواتًا فقط، ليس لدي تصور عن الألوان أو وجوه الناس أو شكل البحر أو السيارات، حتى لو طلبت من أحدهم أن يصف لي، كل شخص يعطي وصفًا مختلفًا، فلا يبقى في ذهني أي صورة واضحة.

 

 

وأقول لكم.. الله إذا أخذ من الإنسان نعمة، يمنحه أخرى. أنا أرى ببصيرة القلب، البصر من دون بصيرة لا يساوي شيئًا، أما الكفيف ببصيرته فيرى ما لا يراه غيره.

◄ وكيف تصفين أبرز مواهب الطلاب المكفوفين الذين تُدرّسينهم؟

 لدي طالبات يتميزن بأصوات رائعة في تلاوة القرآن، وأخريات موهوبات في الإلقاء والغناء وطرح الأسئلة الدينية. بصراحة، كل طالبة لديها جانب مميز، وغالبًا يكون للأسرة دور مهم في صقل هذه المواهب.

◄ ما أبرز التحديات التي تواجه المكفوفين في المجتمع؟

 رغم التطور الكبير في قطر، ما زلنا نحتاج إلى تحسينات، مثل توفير قوائم الطعام بطريقة "برايل" في المطاعم، ووضع لوحات إرشادية مكتوبة بطريقة برايل في المحلات والمرافق العامة. كذلك، يجب أن يتعامل المجتمع معنا بشكل طبيعي بعيدًا عن المبالغات، فنحن أشخاص عاديون ولسنا "معجزة" لمجرد أننا أنجزنا أمرًا بسيطًا.

◄ وماذا عن تعامل الناس أحيانًا بشكل خاطئ؟

 ما يزعجني أن البعض يتحدث مع المرافق الذي بجانبي بدلًا من توجيه الكلام إليّ مباشرة، وكأنني غير موجودة. صحيح أنني لا أرى، لكن لدي عقل وإدراك وأستطيع أن أتحدث وأتواصل مع الآخرين بشكل طبيعي.

◄ كيف تنظرين إلى مسألة الألفاظ المرتبطة بالإعاقة مثل "أصحاب الهمم" أو "ذوي الإعاقة"؟

 بالنسبة لي، اللفظ ليس مهمًا بقدر طريقة التعامل، ما دام هناك احترام وتقدير فلن أشعر بأي ضيق. في النهاية، البصر من غير بصيرة لا يساوي شيئًا، والرؤية الحقيقية هي رؤية القلب.

◄ أخيرًا، ماذا تقولين عن تجربتك الشخصية اليوم؟ 

 أقول إن فقدان البصر لم يكن عائقًا أبدًا، بل كان دافعًا لأعيش حياة مختلفة مليئة بالتحديات والإنجازات. أنا مؤمنة أن كل إنسان قادر أن ينجح إذا وثق بنفسه وبقدراته. وكما أقول دائمًا: "المبصر بلا بصيرة لا يرى شيئًا، أما الكفيف ببصيرته فيرى بنور قلبه كل شيء".

 

مساحة إعلانية